«الكلام في الحقيقة والمجاز»
٤ ـ فصل كل معنى أو معان لم يحتج استعمال اللفظ فيه أو فيها إلى مئونة التنزيل ودعوى واعتبار وعلاقة فاستعمال اللفظ فيه أو فيها يكون على نحو الحقيقة فمن لوازم ذلك التبادر وعدم صحة السلب والاطراد في جميع أفرادها وكل معنى أو معان احتاج استعمال اللفظ فيه أو فيها إلى الاعتبار وتنزيل وعلاقة يكون استعماله فيه أو فيها على المجاز.
فالأول مثل لفظ الأسد بالنسبة إلى الحيوان المفترس المعهود.
والثاني استعماله بالنسبة إلى الرجل الشجاع لتنزيله منزلة الأسد ومن لوازم ذلك صحة السلب وعدم الاطراد في جميع أفراد الإنسان و
__________________
والسبب في ذلك أن اللفظ إذا تعين لمعنى لغة أو عرفا لا يحتاج في استعماله في هذا المعنى المعين له في هذه اللغة أو العرف إلى تكلف ودعوى وتنزيل لأنه المعين له وهو المستفاد منه في اللغة أو العرف ولذا لا يتبادر منه هذا المعنى عند أهل هذه العرف أو اللغة ولا يصح سلبه عنه عندهم ويكون التبادر وعدم صحة السلب عندهم دليلا لغيرهم على كونه حقيقة فيه عندهم وبهذا يرتفع الإشكال الذي يورد على جعل التبادر وعدم صحة السلب دليلا على كونه حقيقة فيه من استلزامه الدور المحال وأما إذا استعمل في غير المعنى المعين له فلا بد أن يكون ذلك لمناسبة وعلاقة يصح بها تنزيله منزلة معناه وجعله هو ادعاء وتنزيله لمشابهة ولعلاقة تقتضي ذلك وإلا كان استعماله فيه غلطا لأنه ليس معناه وليس بينه وبين معناه علاقة تصلح بها إقامة مقامه والعلائق غير مضبوطة ولا منحصرة تعدد بل كلما يصلح عند العقلاء وأهل العرف أقامه مقامه بهذه العلاقة ويصح بها ادعاؤه أنه هو تنزيلا جاز بها استعماله فيها وليس محتاجا إلى الوضع وإجازة الواضع كما زعم بعض لعدم الدليل على ذلك.
ولما كان المعنى المجازي غير المعنى اللغوي أو العرفي وإنما جعل مقامه ادعاء وتنزيلا فلذا يصح سلبه عنه عندهم ولا يتبادر ذلك من حاق اللفظ عندهم وعلى هذا يصح جعل صحة السلب وعدم التبادر علاقة المجاز ولا يأتي إشكال الدور الذي أشرنا إليه فيما سبق