وأخفش وأمثالهما ثم انتقلت الفضيلة والسيادة إلى علم المعاني والبيان فألفوا في هذه الصناعة كتبا مطولة مشروحة بشروح كثيرة مطنبة فكلما نبغ في هذا العلم نابغ أشاروا إليه بالبنان وأقبل إليه الناس من الصقع ومن كل مكان وهكذا كانت تلك السيادة في برهة من الأزمنة باقتضاء الأحوال والأمكنة في علم الفلسفة والرياضيات والحكمة وبعد الوحيد البهبهاني قدسسره انتقلت تلك السيادة في الشيعة إلى علم أصول الفقه الذي كان في بدئه مقدمة للفقه فحاز السبق من ذي المقدمة وظن أنه أعلى وأشرف مننه وأنه الغاية العظمى والمقصد الأسنى فأقبل المحصلون إليه بجد واشتياق حتى غفل بعضهم عن علم الفقه الذي هو بعد علم الكلام أشرف العلوم وأهمها وأوجبها فكانوا يشتغلون ويباحثون في المعنى الحرفي شهرين مثلا وفي مقدمة الواجب ستة أشهر وفي موضوع العلم وتعريفه أياما وأحقابا ويطنبون في تنقيح مباحث الأصول التي أكثرها فطريات وارتكازيات غاية الإطناب وكان لا يكون أحد منهم مجتهدا في هذا العلم كله إلا بعد تضييع أعوام كثيرة من عمره بل كان اجتهاده بعد صرف عمره في ذلك العلم عشرين سنة مثلا. في ريب وارتياب كما هو المشهود المحسوس لكل من له أدنى خبروية واطلاع فلذا غفل بعضهم عن الفقه والتفسير والحديث وسائر العلوم المهمة اللازمة فلو أنهم اقتصروا على مقدميته المحضة كما هو دأب [١] علمائنا السابقين رضوان الله عليهم
__________________
[١] ونزيدك وضوحا أن الشيخ الطوسي والمحقق والعلامة والشهيدين وأمثالهم رضوان