بلا بيان قبيح وظلم لا ينبغي صدوره من عاقل «الثانية» لو طلبت منه الماء بلسانه الذي يفهمه وبلغته التي يعرفها عربيا كان أو فارسيا أو غيرهما ثم لم يأتك بالماء عد نفسه مقصرا بفطرته وإن عاقبته لم يعدك بفطرته مرتكبا للقبيح وليس ذلك إلا لأن اللفظ بالنسبة إلى معناه المستفاد منه لغة وعرفا بيان بالفطرة التي فطر الناس عليها بل ليس من باب بناء العقلاء وإن كان بناء العقلاء عليها بل لأنه هو المنشأ لبناء العقلاء «الثالثة» أنه لا ريب أن في جميع اللغات أمرا أو نهيا ومطلقا ومقيدا وعاما وخاصا وشرطا ومشروطا وغاية ومغيا ومستثنى ومستثنى منه.
وكل الناس يستعملونها ليلا ونهارا في محاوراتهم ويستفاد منها معانيها بالفطرة التي فطر الناس عليها وبسنته التي أجراها بينهم (سنة الله فلن تجد لسنة الله تبديلا) والأنبياء وأوصياؤهم صلوات الله عليهم جمعيا قد جروا بهذه السنة الإلهية والوديعة الفطرية لإتمام الحجة وهداية الأمة ولو كان لهم اصطلاح خاص لبينوه بهذه الفطرة السليمة فلذا كان أصحاب نبينا وأئمتنا صلىاللهعليهوآلهوسلم يفهمون ما يلقى إليهم من دون أن يدرسوا مباحث الألفاظ في الأصول لأن اللغة العربية كسائر اللغات من هذه الجهة والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يبعث إلا بلسان قومه والأوصياء المرضيون لم يكلموا الناس إلا بما يعرفون من لغاتهم وبهذه تمت الحجة الإلهية البالغة «قل فلله الحجة البالغة فاتضح أن حجية ظواهر الألفاظ أمر فطري إلهي لا حاجة لنا فيها إلى تجشم الأدلة وتكلفها فإن اتضح في لفظ معناه اللغوي أو العرفي فهو الحجة وهو المبين وإن لم يتضح فهو المجمل والمتشابه ولا يحصل البيان به ولا تتم به