ثانيا ـ ولادته ونشأته وأسرته :
لقد ضنّت علينا موارد ترجمة المجاشعي في تحديد سنة ولادته ، ولكن اتفق معظم من ترجموا له أو ممن عرّفوا به على أن ولادته ونشأته الأولى كانتا في القيروان ، سوى الداوودي والسيوطي وعمر كحالة (١) ، فقد قالوا (ولد بهجر وطوّف الأرض ، وأقرأ ببغداد مدة ...).
وواضح أنّ الداوودي والسيوطي وعمر كحالة قد وهموا في نقلهم عن أهل السير والتّراجم حينما ذكروا أنّ (هجر مسقط رأسه). إذ عدوا مدينة (هجر) (٢) كانت مسقط رأسه.
والحقيقة أن (هجر) فعل بمعنى (ترك) وليست هي المدينة المقصودة (٣).
ومن العجب أن ليس له ترجمة عند من اهتموا في ترجمة الأعلام من أهل افريقية والقيروان ، ولا مع الأندلسيين ممن دخلوها من الغرباء ، ولا في طبقات المالكية ولا غيرها.
والسبب ـ فيما أعتقد ـ أنّ المجاشعي لم يكن مشهورا في تلك الديار لرحيله عنها وهو طالب للعلم ، وإنّما جاءت شهرته بعد نبوغه في المشرق وتصدره للإقراء والتأليف ، ومخالطته فحول علمائها.
كما ضنت علينا موارده ، فلم تعنّا على رسم صورة واضحة المعالم لنشأته في القيروان ، وأساتذته فيها ، والعلوم التي تلقاها عنهم ، غير ما ذكره ابن مكتوم وابن حجر (٤) في سياق حديثهم عن المجاشعي رواية جاء فيها : قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود ابن الحسن ابن هبة الله بن محاسب البغدادي (٥) ـ رحمهالله ـ قرأت على الأنجب أبي السعادات عن أبي العلاء وجيه ابن هبة الله بن المبارك السّقطي (٦) ، حدثنا أبي (٧) ـ ونقلته من خطه ـ حدثنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن فضّال بن علي بن غالب ، حدثنا أبو محمد مكي بن أبي
__________________
(١) طبقات المفسرين للداوودي : ١ / ٤٢٥ ، وطبقات المفسرين للسيوطي : ٧٠ ، ومعجم المؤلفين : ٧ / ١٦٥.
(٢) هجر : هي ناحية البحرين. معجم البلدان : ٥ / ٤٩٣.
(٣) ينظر مقدمة تحقيق شرح عيون الإعراب : ١٥.
(٤) تلخيص ابن مكتوم : ١ / ١٢٥ ، ولسان الميزان : ٤ / ٢٤٩.
(٥) المعروف بابن النجار (ت ٦٤٣ ه) ينظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ٤ / ١٤٢٨ ، وسير أعلام النبلاء : ١٥ / ٩٢ ، ومختصر تاريخ ابن الدبيثي : ٧٦ ، وهدية العارفين : ٢ / ١٢٢.
(٦) (ت ٥٦٧ ه) / ينظر ترجمته في ميزان الاعتدال : ٤ / ٣٣١ ، ومختصر تاريخ الدبيثي : ٧٦.
(٧) هو أبو البركات هبة الله المبارك بن موسى البغدادي السقطي (ت ٥٠٩ ه). ينظر ترجمته في : المستفاد من ذيل تاريخ بغداد : ١ / ١٩٠ ، وسير أعلام النبلاء : ١٩ / ٢٨٢.