طالب (١) بقرطبة في منزله ... ورفع السند إلى أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : " الصوم جنة من النار" (٢).
وبخلت علينا مرة أخرى فلم تسعفنا بشيء ذي بال عن أسرته التي نشأ في أكنافها سوى ما ذكره في هذا الكتاب من روايته عن أبيه (٣) ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنه من أسرة علمية ملتزمة ، لها مكانة مرموقة بين العلماء.
ثالثا ـ رحلاته :
أجمعت المظان التي ترجمت للمجاشعي أنّه كثير الترحال في البلاد طلبا للعلم وخدمته له ، فقد ذكر القفطي (٤) في ترجمة مطولة له أنه : " هجر مسقط رأسه ، ودوّخ الأرض ذات الطّول والعرض ، مصر وشاما ، وعراقا وعجما ، حتى وصل إلى مدينة المشرق : (غزنة) (٥) فتقدّم بها ، وأنعم عليه أماثلها ، واختاروا عليه التّصانيف ، وشرع في ذلك ، وصنف لكل رئيس منهم ما اقتضاه ، ثم انكفأ راجعا إلى العراق وانخرط في جماعة نظام الملك الحسن بن إسحاق الطوسي الوزير (٦) ، ولم تطل أيامه بعد ذلك حتى ناداه اللطيف الخبير فأجاب".
والواضح من هذا النّص أن المجاشعي ـ رحمهالله ـ كان عالما جليل القدر ، قريبا من العامة والخاصة ، طوافا في البلاد لخدمة دينه ولغته.
ويستفاد أيضا منه أنّ الزعامة العلمية التي تبوأتها مصر والشام والعراق ومدينة الشرق (غزنة) هي التي جعلت فؤاد المجاشعي يهوي إلى هذه البلاد ، ويختلف إلى علمائها وفقهائها وقرائها كأبي محمد مكي بن أبي طالب المقرئ وغيره.
__________________
(١) (ت ٤٣٧ ه). ينظر ترجمته في البداية النهاية : ٢ / ٣٠٩.
(٢) ينظر المعجم الأوسط : ١ / ٢١ ، وكنز العمال : ٨ / ٤٥٤.
(٣) النكت : ٢٥٥ ، و ٢٩٤ ، و ٣٨٠ ، و ٤٠٩ ، و ٥٤٨ ، و ٥٧٨.
(٤) إنباه الرواة : ٢ / ٢٩٩ ـ ٣٠١.
(٥) غزنة ، ضبطها ياقوت في معجم البلدان : ٤ / ٢٠١ : (بفتح أوله وسكون ثانيه ثم نون ، هكذا يتلفظ بها العامة ، والصحيح عند العلماء غزين) ، ثم قال : (وهي مدينة عظيمة وولاية واسعة في طرف خراسان ، وهي الحد بين خراسان والهند وقد نسب إلى هذه المدينة من لا يعد ولا يحصى من العلماء).
(٦) الوزير المشهور في الشرق والغرب ، صاحب المدارس والخيرات من المساجد والرابطات (ت ٤٨٥ ه). ينظر ترجمته في : الأنساب : ٥ / ٥٩٩.