المبحث الثاني
التّرجيح والتّضعيف في الأوجه الإعرابية
جاءت العبارات والمصطلحات التي استعملها المجاشعي في الترجيح على نحو ما شاعت عند من سبقه من علماء النحو والتفسير ، وهي عبارات ومصطلحات مشتركة لم يتميز بها واحد من العلماء ، ما قاله الأولون ردّده المتأخرون ، نحوه والأول أقيس ، وأصح هذه الأقوال ، وأبين هذه الأقوال ، والوجه فيه عندنا ، وهذا وجه جيد صحيح الخ (١).
وسأعرض في هذا المبحث بعض الأمثلة التي بها يتوضح جزء من ثقافة المجاشعي النحوية ..
أولا ـ ترجيح مقرون بعلّة :
* علّة قياسية : في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة : ٢٦]. قال : فأمّا (بَعُوضَةً) ففي نصبها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون مفعولا ثانيا ليضرب.
والثاني : أن تكون معرّبة بتعريب (ما) كما قال حسان :
فكفى بنا فضلا على من غيرنا |
|
حبّ النّبيّ محمّد إيّانا (٢) |
وحقيقته البدل.
والثالث : يحكى عن الكوفيين (٣) زعموا أنّ النّصب على إسقاط حرف الخفض ؛ كأنّه قيل :
ما بين بعوضة فما فوقها ، وحكوا أنّ العرب تقول : (مطرنا ما زبالة فالثّعلبيّة) (٤) ، (وله عشرون
__________________
(١) ينظر مثلا : ٢٦ ، و ٣٤ ، و ١٤٥ ، و ٢١٩ ، و ٢٤٢.
(٢) البيت من شواهد سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٦٩ ، وثعلب في مجالسه : ٢٧٣ ، والزجاجي في مجالسه : ٣٢٣. وهذا البيت غير موجود في ديوان حسان ، ونسبه سيبويه إلى الأنصاري ، وما أظنّه قد قصد إلا كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه إذ البيت موجود في ديوانه : ٢٨٩.
(٣) ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٢ ، ومجاز القرآن : ١ / ١٠٧ ، وغرائب التفسير : ١ / ١٢٨.
(٤) زبالة : كثمالة ، والثعلبية بفتح الثاء : موضعان من منازل طريق مكة إلى الكوفة. قال ابن جني : تقول : (مطرنا ما بين زبالة فالثعلبية) إذا أردت أن المطر انتظم الأماكن التي ما بين هاتين القريتين. وإذا قلت (مطرنا ما بين زبالة والثعلبية) فإنّما أفدت بهذا القول أنّ المطر وقع بينهما ، ولم ترد أنّه اتصل في هذه الأماكن من أولها إلى آخرها. ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٢ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ٢٢ ، وخزانة الأدب : ١١ / ١٠ ـ ٢٠.