ومثال اهتمامه في هذه المسائل قوله (١) : " ويسأل : ما وزن التوراة؟
والجواب أن فيها ثلاثة أقوال (٢) :
أحدها : أنها تفعلة ، وأصلها : تورية ، وتحركت الياء وانفتح ما قبلها ، فانقلبت ألفا.
وتفعلة في الكلام قليل جدا. قالوا : تتفلة في تتفلة.
والقول الثاني أنها تفعلة ، والأصل : تورية ، مثل : توقية ، وتوفية ، فنقلت إلى تفعلة ، وقلبت ياؤها. وهذان القولان رديئان ، وهما للكوفيين (٣).
وأما البصريون (٤) : فتورية عندهم : فوعلة ، وأصلها : وورية ، مثل : حوقلة ، ودوخلة فأبدلوا من الواو الأولى تاء كما فعلوا في تولج (٥) ، والأصل : وولج ؛ لأنه من الولوج ، وقلبوا الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وهذا القول المختار ؛ لأن توقية لا يجوز فيها توقاة ، وتفعلة قليل في الكلام.
واشتقاق تورية من قولهم : وريت بك زنادي ، كأنها ضياء في الدين ، كما أن ما يخرج من الزّناد ضياء" (٦).
ثامنا ـ عنايته بحروف المعاني :
ومن اهتماماته أيضا حروف المعاني ، نراه يوردها ويذكر معانيها واستعمالاتها ، وأقوال العلماء فيها ، فهو يحتج لما يقرره بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، والشواهد الشعرية ، وسنورد بعض المثل على ذلك :
حكى المجاشعي على توجيه (لو لا) في قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : ٩٨]. قال : " ويسأل عن (فَلَوْ لا)؟ وفيها جوابان :
__________________
(١) النكت في القرآن : ٨٨ ـ ٨٩.
(٢) الاستكمال : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ١٤٩ ، والبحر المحيط : ٣ / ٦.
(٣) للفراء كما في الزاهر : ١ / ١٦٨ ، وينظر معاني القرآن وإعرابه : ١ / ٣١٧ ، والمحرر.
(٤) ينظر الكتاب : ٢ / ٣٥٦ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ١٤٦ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ١٤٩ ، والممتع في التصريف : ١ / ٣٨٣ ، وارتشاف الضرب : ١ / ١٥٦.
(٥) التولج : كناس الوحش. الصحاح : ١ / ٣٤٨ (ولج).
(٦) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ٣٩٨ ، والمجيد : (تحقيق : عطية) : ٨.