أحدهما : أنها بمعنى (هلّا) (١) يكون تحضيضا ، نحو قول الشاعر (٢) :
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم |
|
بني ضوطري لو لا الكميّ المقنّعا |
ويكون تأنيبا ، نحو قولك : لو لا امتنعت من الفساد ، كما تقول : هلّا ، والمعنى على هذا :
هلا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس (٣) ، والأصل : فلو لا كان أهل قرية ، فحذف (٤).
والجواب الثاني : أن (لو لا) بمعنى (ما) للنّفي ، وهذا قول ذكره ابن النّحاس (٥) ، ولم أسمع عن غيره ، والتّقدير على هذا : ما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس" (٦).
تاسعا ـ عنايته بلغات الألفاظ ونسبتها إلى القبائل التي تنطق بها :
وهذه بعض الأمثلة على ذلك :
حكى المجاشعي على (يَسْتَحْيِي) في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة : ٢٦] ، قال : " للعرب في يستحي لغتان : منهم من يقول : (يستحي) بياء واحدة ، وبذلك قرأ ابن كثير (٧) في رواية شبل (٨) ، ومنهم من يقول : (يستحيي) بياءين ، وبه قرأ الباقون (٩) ، فوجه هذه القراءة : أنه الأصل. ووجه القراءة الأخرى : أنّه حذف استثقالا لاجتماع الياءين ؛ كما قالوا : لم أك ، ولم أدر وما أشبه ذلك ، والاختيار في القراءة إثبات الياءين ؛ لأنه إذا اعتل لام الفعل فلا ينبغي أن يعلّ العين لئلّا
__________________
(١) ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٧٩ ، وجامع البيان : ١١ / ٢٢٠ ، والجامع لأحكام القرآن : ٨ / ٣٨٣.
(٢) البيت لجرير يهجو به الفرزدق ، ديوانه : ٣٣٨. ويروى للأشهب ابن رميلة كما في جامع البيان : ١ / ٧١٦. النّيب : الناقة المسنّة. العين : ٨ / ٣٨١ (ناب). وضوطري : الرجل الضخم اللئيم الذي لا غناء عنده. وقيل الحمقى. الصحاح : ٢ / ٧٢١ (ضطر). والكمي : الشجاع. اللسان : ١٥ / ٢٣٢ (كمي). المقنع : الذي على رأسه البيضة والمغفر. اللسان : ٨ / ٣٠١ (قنع).
(٣) معالم التنزيل : ٤ / ١٥١.
(٤) مشكل إعراب القرآن : ١ / ٣٥٤.
(٥) ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٧٩ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٧٥.
(٦) النكت في القرآن : ١٨٦.
(٧) ينظر معاني القرآن للأخفش : ١ / ٥٢ ، ومعاني القرآن للفراء : ١ / ٢٢ ، ومختصر في شواذ القراءات : ٤. وابن كثير هو : أبو معبد ، عبد الله بن كثير الداري ، أحد القراء السبعة (ت ١٢٠ ه). ينظر الفهرست : ٤٢ ، وطبقات القراء الكبار : ١ / ٨٦.
(٨) هو شبل بن عباد المكي (ت نحو ١٤٨ ه). ينظر غاية النهاية : ٢ / ٤٥ ، ومعرفة القراء الكبار : ١ / ١٢٩.
(٩) ينظر معاني القرآن للأخفش : ١ / ٥٢ ، وإعراب القرآن للنحاس : ١ / ٢٠٢.