فإذا ثنّوا أو جمعوا لم يجز إظهار التضعيف ، ورجعوا إلى اللغة الأولى كراهة لاجتماع المثلين" (١).
عاشرا ـ احتجاجه بالحديث النبوي الشريف :
احتجّ المجاشعي بالحديث النّبوي الشريف في مسائل النحو واللغة والتفسير ، كما احتج من كلام الصحابة والتابعين في تأصيل الحكم اللغوي أو الشرعي في بعض المسائل.
ومثال ذلك :
ففي مجال احتجاجه على مسألة لغوية قال : " الاستحياء : من الحياء (٢) ونقيضه القحة ، وفي الحديث : (من كلام النّبوة : إذا لم تستح فاصنع ما شئت) (٣) قال المازني (٤) : النّاس يغلطون في هذا ؛ يظنّونه أمرا بالقحة ، وليس كذلك ، وإنّما معناه : إذا فعلت فعلا لا يستحيا من مثله فاصنع منه ما شئت" (٥).
وفي بيان معنى (السّورة) قال (٦) : " وقيل : أصلها الهمزة واشتقاقها من (أسأرت) إذا أبقيت في الإناء بقية ، ومنه الحديث : (إذا شربتم فأسئروا) " (٧).
وفي بيان معنى (ننقصها) من قوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) [الأنبياء : ٤٤] ، قال المجاشعي (٨) : اختلف العلماء في معناها" فقال بعضهم : ننقصها بخرابها : وقيل : بموت أهلها ، وقيل : ننقصها من أطرافها بما يفتح الله ـ جلّ وعزّ ـ على نبيه منها ، وما ينقص من الشرك بإهلاك أهلها ، [٥٨ / و] وقيل : ننقصها بموت العلماء (٩) ؛ لأنّه من أشراط الساعة ، وقد جاء في الحديث : (إنّ الله لا ينزع العلم انتزاعا ولكن ينتزعه بموت العلماء فيتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا فيضلون
__________________
(١) النكت في القرآن : ٤٩١ ـ ٤٩٢.
(٢) ينظر العين : ٣ / ٣١٧ (حي) ، والصحاح : ١ / ٤١٦ (وقح). والقحة : كعدة : إذا وقح الرّجل : إذا قلّ حياؤه.
(٣) صحيح البخاري : ٥ / ٢٢٦٨.
(٤) ينظر جامع العلوم والحكم : ١ / ٢٠١. والمازني ، هو : أبو عثمان ، بكر بن محمد بن حبيب (ت ٢٤٨ ه أو ٢٤٩). ينظر تاريخ بغداد : ٧ / ٩٦ ، ومعجم المؤلفين : ٣ / ٧١.
(٥) النكت في القرآن : ٢٢.
(٦) النكت في القرآن : ٣٢١.
(٧) ينظر غريب الحديث لابن سلّام : ٢ / ٢٩٣ ، والنهاية في غريب الحديث : ٢ / ٣٢٧.
(٨) النكت في القرآن : ٢٨٩ ـ ٢٩٠.
(٩) ينظر النكت والعيون : ٣ / ٤٤٩.