قال سيبويه (١) : لأنه لا ينفصل فصار كبعض الحرف ، ومثّله بعضهم بالتنوين ، وذلك أنه يعاقبه ، ويحذف في الموضع الذي يحذف فيه التنوين ، وذلك قولك : يا غلام ، تحذف الياء تخفيفا كما تحذف التنوين من قولك : يا زيد.
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيّام من عجب (٢) |
ويقول الآخر :
تعلّق في مثل السّواري سيوفنا |
|
وما بينها والكعب غوط نفانف (٣) |
قيل : هذا من ضرورات الشعر ولا يحمل القرآن عليه (٤).
وقد احتجّ له بعضهم بأنه على إضمار الباء ؛ لتقدم ذكرها في قوله : (بِهِ ،)
واستشهد بقول الشاعر :
أكلّ امرئ تحسبين امرءا |
|
ونار توقّد في اللّيل نارا (٥). |
أراد : وكلّ نار ، فحذف (كلّ) لدلالة ما في صدر البيت" (٦).
الثاني عشر ـ وقفاته البلاغية :
لقد كانت عند المجاشعي بعض الوقفات البلاغية ، قصد بها معرفة سر التعبير القرآني ، ومن ذلك وقوفه عند قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود : ٤٤] ، يقول : " وقد جمعت هذه الآية من عجيب البلاغة أشياء :
منها : أن الكلام خرج مخرج الأمر على جهة التّعظيم لفاعله من نحو : كن فيكون ، من
__________________
(١) الكتاب : ٢ / ٣٨١.
(٢) بلا عزو في الكتاب : ١ / ٣٩٢ ، واللمع : ١٨٥ ، والمقرب : ٢٥٦ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ١٦٣ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٢٠ ، والخزانة : ٥ / ١٢٣.
(٣) البيت لمسكين الدارمي ، ديوانه : ٥٣ ، وروايته : (والكعب منا تنائف) ، وهو في الحيوان : ٦ / ٤٩٤ ، وشرح عمدة الحافظ : ٦٦٣ ، وفاتحة الإعراب : ١٧٣ ، والبحر المحيط : ٣ / ٤٩٩ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ١٦٤. والغوط : جمع غائط ، وهو المطمئن من الأرض ، ونفائف : جمع نفف ، وهو الهواء بين الشيئين ، ينظر اللسان : ٧ / ٣٦٥ (غوط) ، و ٩ / ٣٣٨ (نفف).
(٤) معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٥٣ ، والمحرر الوجيز : ٣ / ٤٨٣.
(٥) البيت لأبي دؤاد الأيادي كما نسبه إليه الأصمعي في الأصمعيات : ١٩١ ، والمبرد في الكامل : ١ / ٣٧٦.
(٦) النكت في القرآن : ١٠٩ ـ ١١٠.