المقدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، وأودعه صدور المؤمنين يتلونه آناء الليل وأطراف النهار ، يتدبّرون حكيم معانيه بقرائح نافذة وفهوم صافية ، مبلّغين بإخلاص ما وقفوا عليه من الروايات الشارحة له ممّا أخذوه عن الأئمّة الأعلام الّذين تقصّوا الأخبار واحتفظوا بأسانيدها إلى قائليها مميّزين بذلك بين صحيحها وسقيمها.
والصلاة والسّلام على النّبيّ المختار ، أصدق مبلّغ ، من قال فيه منزّل القرآن : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).
التأليف في التفسير في المرحلة الأولى
اهتمّ الباحثون بالتّأريخ لعلم التفسير ، فبيّنوا المراحل التي مرّ بها انطلاقا من العصر النبوي ، فعصر الصحابة ، فعصر التابعين فمن جاء بعدهم. وتتيسّر هذه العملية عند توفّر أسبابها ، ومن أهمّها المدوّنات في التفسير. وإذا كانت هذه المدوّنات متوفّرة غالبا بنسب متفاوتة فإنّها ليست كذلك بالنسبة إلى القرون الثلاثة الأولى للهجرة ، فإنّ العلم بمدوّنات التفسير التي ظهرت فيها كان عن طريق الإخبار عنها أو بما نقل منها في تفاسير اللاحقين. ومن هنا بقيت عملية التّأريخ للتّفسير في مراحله الأولى شبه نظريّة لا تنطلق من واقعها الذّاتي ، وذلك ما يفسّر وجود الاختلاف بين العلماء في عدّة مسائل ، كاختلافهم في نسبة بعض الأقوال إلى أصحابها ، أو نسبة أقوال متضاربة إلى قائل واحد ، فكان من العسير الجزم بأمر دون آخر لعدم توفّر الدليل القاطع.
وقد تمكّن بعض الباحثين ، في العقود القليلة الماضية من اكتشاف مؤلّفات في التفسير تعود إلى القرون الأولى. والاكتشاف الهامّ كان لتفسير الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري. فقد كان مفقودا إلى أن ظهرت أوّل طبعة له في أوائل هذا