بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم بقلم الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة
القرآن كتاب الله وخطابه للعالمين : أنزله العزيز الحكيم على رسوله محمد المصطفى الأمين صلىاللهعليهوسلم ، بلسان قومه. فالمخاطبون به هم أهل اللسان. (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣) [فصلت : ٣]. قال ابن خلدون : إن القرآن نزل بلغة العرب ، وعلى أساليب بلاغتهم. فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه. ولم يظهر ما ظهر من عناد المشركين ومخالفتهم له إلا بسبب معارضته لهم وتحديهم به. (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) [الأحقاف : ١٢].
واحتاج الصحابة لفهم بعض نصوصه والوقوف على دقائقها ، والإدراك التام لمعانيها أن يسألوا رسولهم صلىاللهعليهوسلم عنها. فكان يفسّر لهم بعض ألفاظ القرآن واستعمالاته : يبين مجمله ، ويوضح مشكله ، ويدلّهم على ما ورد به من تخصيص للعام أو تقييد للمطلق. وقد اشتملت على ذلك كله أبواب التفسير من كتب السّنة والبيان من وظيفة الرسول. قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٤٤] ، وقال : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٦٤) [النحل : ٦٤].
وذكروا عن المقرئين أمثال عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهم ، وفيما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عنهم : أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبي صلىاللهعليهوسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا : فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعا.
وكانت طريقة الصحابة في بيان مدلولات القرآن نفس الطريقة التي ألفوها في تفسير النبي صلىاللهعليهوسلم ، لا يتركونها إلا إذا دعاهم الأمر إلى إمعان النظر فيما يتوقفون عنده من الآي ، فيستعينون بقوة أفهامهم وكمال سليقتهم اللغوية ، ومعرفتهم بدقائق التصرفات القولية وأسرارها ، غير غافلين مع ذلك من عادات العرب التي كانوا على إلمام بها ، وعن أحوال معاصريهم في البلاد من أصحاب الديانات كاليهودية والنصرانية.
وتلقّى التابعون عن الصحابة أقوالهم وآراءهم في التفسير ، وأضافوا إليها ما هداهم الله عن طريق الاجتهاد والنظر إليه ، مما يكشف عما غمض فهمه أو تصوروه خطأ لدى