معاصريهم. وكانت في هذا مدارس ثلاث : مدرسة مكة أتباع ابن عباس ، ومدرسة أهل الكوفة أصحاب ابن مسعود ، ومدرسة المدينة التي برز فيها زيد بن أسلم.
ومن هؤلاء وأولئك جميعا تكونت المرحلة الأولى ، مرحلة التفسير بالمأثور. عرف من رجالها مجاهد ، وإسماعيل السدي ، والحسن البصري ، وعبد الملك بن جريج ، وسفيان الثوري ، ويحيى بن سلام ، والطبري. وهي وإن اعتمدت الإسناد عند أكثر أفرادها في رواية التفسير لكنها عنيت بجوانب عديدة أخرى.
فبعضها عني بعلوم اللغة والقراءات وأسباب النزول.
وبعضها كان يقوم على علوم اللغة وعلى رواية الشعر والاستشهاد به ، وذكر مجازات العرب وطرق استخدامها.
والبعض الآخر يتميز مع الرواية للأقوال الكثيرة بنقدها مع التعليل لها بجملة من الحجج العلمية.
والمدرسة الأولى هذه هي أقرب المدارس إلى الأصل الذي أخذت منه ، واعتمدت عليه. وهي الأبعد عن التكلف وعن العمل بالرأي الذميم. فكل ما فيها أساسه الصحة أي النقل إما عن الرسول صلىاللهعليهوسلم أو أصحابه ، وإما عن العرب في لغتها وما تتحمله اللغة من اختلاف في دلالاتها.
وبدون هذا لا يقدر أحد على الإحاطة بمعاني القرآن. وهذا العلم ضروري لقول حبر الأمة ابن عباس محذرا : من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.
وتطور الأمر بعد ذلك من بداية عصر التدوين إلى اليوم ، وأصبح القصد من علم التفسير البحث عن بيان معاني القرآن وعما يستفاد منها باختصار أو توسع.
والتفسير معدود في طليعة العلوم الإسلامية. وقد جعلوا من استمداداته بجانب علم العربية علم الآثار ، وأخبار العرب ، وأصول الفقه ، وعلم الكلام ، وعلم القراءات. واشترطوا على المفسّر أن يكون عارفا باللغة والبيان. وقالوا : لا يعرف تفسير القرآن إلا من عرف اثنتي عشرة خصلة هي : المكي والمدني ، والناسخ والمنسوخ ، والتقديم والتأخير ، والمقطوع والموصول ، والخاص والعام ، والإضمار والعربية.
ومرّ تاريخ التفسير في عصر التدوين بمراحل متعددة ، تميّزت بخصائص عديدة :
منها الانفصال عن الحديث بترك الأسانيد ، ولكن مع الاحتفاظ بما ورد منه أحيانا في دواوين السّنة.
وانفصال التفسير انفصالا تاما عن المدرسة النقلية. فجاءت كتب التفسير متأثرة بالمنهج العقلي ومعتمدة على الرأي.
وظهرت منها تفاسير عرفت بالقراءات أو بعلوم العرب : من لغة ، أو نحو ، أو بيان ، أو أدب.
أو بالمذاهب الكلامية والعقدية ، أو بالمذاهب الفقهية وبآيات الأحكام.