فكل عالم أو مجتهد في اللغة أو البيان ، وفي الفقه أو الأحكام سلم له الناس ، خاصتهم وعامتهم ، بالتفوق وبلوغ الذروة في العلم إلا وقد أسهم في إغناء علم التفسير ، الذي هو المرجع الأساس لفهم كتاب الله ، والعمل بأحكامه ، والتأدب بحكمه وتوجيهاته.
وطلعت علينا تفاسير أخرى كانت متأثرة بالمذاهب الصوفية أو الإشارية ، أو بالنحل والأهواء ، وأخرى نزع فيها بعض المفسّرين منزع الثقافة العلمية أو الفلسفية المعاصرة.
وربما وقعت أيدينا أحيانا على مؤلفات هي بعيدة تمام البعد عن موضوع التفسير فلا صلة ولا علاقة لها به.
ومع التنوع واختلاف المناهج بين جملة ما وصل إلينا من التفاسير على طول عصر التدوين نلفي ظاهرة أخرى خطيرة أملتها النوازع العقدية والأهواء أو السياسات. وهكذا ابتعد أصحابها عن أصول التفسير وقواعده. فلم يلتزموا الأصول العلمية الكثيرة ولا الذوقية في تحريراتهم ، وكانوا يفتقدون مع ذلك المعرفة بأسرار ودقائق بناء اللغة العربية فلم يتحروا الأمانة ولا الصدق فيما صدر عنهم من ذلك.
وكانت من بين هؤلاء طائفة من الباطنية القديمة عطلت دلالة التراكيب ، وأنكرت أن تكون المعاني مستفادة منها بطريق الوضع اللغوي والتأليف النحوي والبلاغي.
وجنحت إلى الإشارات بإيراد الأعداد وأسرار الحروف. وزعمت أن علم ذلك خفي يتلقّى بطريق الوراثة أو الوصاية أو الهبة. فكانوا بذلك معطلين لمعنى الدين منكرين لحقيقته وملحدين عنه إلى الكفر [التفسير ورجاله : ٨].
وتلحق بهذه الطائفة في العصر الحاضر جماعة ، بضاعتها مزجاة في علوم اللغة العربية وأسرارها. وهي ذات تكوين غربي لا يعينها بمفرده على التمييز بين خصائص الآداب والحضارات العالمية. وقصدها الأساس فيما ذهبت إليه القبول التام للحضارة الغربية المعاصرة دون تحفظ أو نقد ، وسلوك الاتجاه الليبرالي التحديثي للتوصل إلى قراءة التراث الديني الإسلامي من منظور غربي علماني ، مع إغفال تام لأصول التفسير وقوانين التأويل. وهي تدعوا إلى قراءة جديدة للقرآن ، مستبعدة معها البيان النبوي والسّنة الموثقة التي اقترنت به من عهد نزوله ، كما أنها تعتمد في فهم التراث الديني الإسلامي وقائع التاريخ والتجربة الحضارية الإسلامية انطلاقا من فروض مسبقة وآراء التزمت بها.
وهذا من الهرمينوطيقاscituenemreH التي عرفها الغرب ، وتقوم بالدعوة إليها وبعثها من جديد ثلة من الأغراب عن تفكيرنا ومناهجنا.
ذكر د / حسن الشافعي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة «الهرمينوطيقا الغربية» وردها إلى أصلها. فهي مصطلح إغريقي يطلق على قواعد التأويل والفهم للنصوص الدينية. وقد التصق من قديم بالتيولجيا المسيحية. وهي تقدم صورة للفكر الديني