فإن أعياك ذلك فعليك بالسّنة ... قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه». والسّنة أيضا تتنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن ، لا أنها تتلى كما يتلى. وقد قال تعالى في ذلك : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٤) [النجم : ٣ ، ٤]. وإذا لم نجد التفسير في القرآن أو السّنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة. فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن ، والأحوال التي اختصوا بها ، ولما لهم من الفهم التام ، والعلم الصحيح ، والعمل الصالح ، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أمثال ابن مسعود وابن عباس. فإن لم يوجد ذلك في القرآن ولا في السّنة ولا في أقوال الصحابة فإن الرجوع ينبغي أن يكون إلى أقوال التابعين منهم إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة ، وإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم. ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السّنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك [الفتاوى : ١٣ / ٣٦٣ ـ ٣٧٠].
وتفسير القرآن بمجرد الرأي حرام. ورد فيه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» ، و «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ».
وقد توعد الله أصحاب هذه الاتجاه في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٧) [لقمان : ٦ ، ٧].
وورد في ذلك أيضا قوله جل وعلا : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) [البقرة : ٧٥].
وعرّض بهم القرآن وكذبهم فيما جاؤوا به : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٨) [آل عمران : ٧٨].
ومع اتضاح سبيل كل مدرسة من المدرستين خشي العلماء من التجاوز أو الانحراف أن يحصل من الأولى نحو الثانية. وذلك عند فقدان الأساس الذي يبنى عليه التفسير بالرأي ، وعند عدم حصول ما يلزم من العلوم للمفسّر ، ليتمكن من البيان للناس ، وبحرصه على تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله ، ويكون التفسير لديه طريقا لتقرير المذهب الفاسد فيجعله تابعا له وصورة منه ، وهكذا التفسير بالاستحسان والهوى ، والتفسير مع القطع بأن الله ما أراد غير ذلك من قوله. وهذا منهي عنه شرعا لما يقترن به من غواية الشيطان. قال تعالى : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (١٦٩) [البقرة : ١٦٩]. فهذه من مثارات التفسير بالرأي المذموم. [السيوطي. الإتقان : ٢ / ٢١٦ ، ابن عاشور. التحرير والتنوير : المقدمة ٣ ، ١ / ٣٠ ـ ٣٣].
والواجب على العلماء واللغويين والفقهاء تجاه هذا المنهج المبتدع هو الكشف عن