لالتزام الكلام بقوله : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ). قال : يا محمد إنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، على الاستئناف ، فركب إلى المتوكل وسأله الخطر (١) ، فأمر بإحضار المبرد فقال : أكثر القراء يقرأ بالفتح فاستبشر وقال : المال يا فتح ، فلما خرجا قال الفتح : أول ما ابتدأتنا به الكذب؟! قال : ما كذبتكم ، وإنما قلت : أكثر الناس يقرأ (أنها) وأكثر الناس كما قال أبو الأسود :
٣٨٥ ـ وأكثر هذا النّاس إمّا مكذب |
|
يقول بما يهوى وإمّا مصدّق |
٣٨٦ ـ يقولون أقوالا ولا يثبتونها |
|
وإن قيل هاتوا حقّقوا لم يحققوا (٢) |
__________________
(١) الخطر : المال ، أو ما يوضع في الرهان.
(٢) البيتان في ديوان أبي الأسود ص ١٤ وفيه :
فإنّ جميع النّاس إمّا مكذب |
|
يقول بما يهوى وإمّا مصدّق |
يقولون أقوالا بظنّ وشبهة |
|
فإن قيل هاتوا حقّقوا لم يحققوا |
وهما في الأغاني ٢١ / ٢٣ ؛ وعيون الأخبار ١ / ٥٩ ؛ واللسان ١ / ١٥٧. ـ والقصة ذكرها المؤلف مختصرة ، وقد ذكرها الوزير القفطي فقال : قرأ المتوكل يوما وبحضرته الفتح بن خاقان : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) فقال له الفتح بن خاقان : (أَنَّها) بالكسر يا سيدي ، فتبايعا على عشرة آلاف درهم ، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلبي ـ وكان صديقا للمبرّد ـ ولمّا وقف يزيد على ذلك خاف أن يسقط عند أحدهما ، فقال : ما أعرف الفرق بينهما ، وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدّم. فقال المتوكل : فليس ههنا من يسأل عن هذا؟ فقال : ما أعرف أحدا يتقدّم فتى بالبصرة يعرف بالمبرّد ، فقال : ينبغي أن يشخص. قال محمد بن يزيد : فوردت سرّ من رأى ، فأدخلت على الفتح بن خاقان ، فقال : يا بصريّ ، كيف تفسّر هذا الحرف : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ)؟ بالفتح أو بالكسر؟ فقلت : (أَنَّها) بالكسر ، وهو الجيد المختار ، وذلك أنّ أول الآية : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها ، قُلْ : إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ) ثم قال تعالى : يا محمد : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) باستيفاء جواب الكلام المتقدّم. قال : صدقت ، وركب إلى دار أمير المؤمنين فعرّفه بقدومي ، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه وتبايعا فيه ، فأمر بإحضاري فحضرت ، فلمّا وقعت عين المتوكل عليّ قال : يا بصريّ ، كيف تقرأ هذه الآية : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) بالكسر أو بالفتح؟ ـ