(أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أي أقرب أن لا تميلوا أو تجوروا وقيل : كان الرجل قبل نزول هذه الآية يتزوج بما شاء من النساء وقوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) معناه : واعطوا النساء مهورهن عطية من الله ، وذلك أن الله تعالى جعل الإستمتاع مشتركا بين الزوجين ، ثم أوجب لها بإزاء الاستمتاع مهرا على زوجها فذلك عطية من الله للنساء وقيل : أراد بنحلة : فريضة مسماة (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) خطاب للأزواج معناه : فإن طابت نفوسهن بهبة شيء من الصداق (فَكُلُوهُ) أي كلوا الموهوب لكم (هَنِيئاً مَرِيئاً) فالهنيء الطيب المساغ الذي لا ينقصه شيء ، والمريء : المحمود العاقبة ، التام الهضم ، الذي لا يضر ولا يؤذي.
٥ ـ لمّا أمر تعالى فيما تقدّم بدفع مال الأيتام إليهم عقّبه بذكر من لا يجوز الدفع إليه منهم وقال : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ) أي لا تعطوا السفهاء (أَمْوالَكُمُ) إنها عام في كل سفيه من صبي أو مجنون أو محجور عليه للتبذير (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) أي أموالكم التي جعلها الله قواما لمعاشكم ومعادكم ، تقيمكم فتقومون بها قياما (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) يريد لا تؤتوهم أموالكم التي تملكونها ولكن ارزقوهم منها إن كانوا ممن يلزمكم نفقته واكسوهم (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي تلطفوا لهم في القول.
٦ ـ (وَابْتَلُوا الْيَتامى) هذا خطاب لأولياء اليتامى ، أمرهم الله أن يختبروا عقول اليتامى في افهامهم ، وصلاحهم في أديانهم ، واصلاحهم في أموالهم (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) معناه : حتى يبلغوا الحدّ الذي يقدرون معه على المواقعة وينزلون (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) معناه : فإن وجدتم منهم رشدا أو عرفتموه ، واختلف في معنى قوله : رشدا فقيل : عقلا ودينا وصلاحا (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) خطاب لأولياء اليتيم ، وهو تعليق لجواز الدفع بالشرطين : البلوغ وإيناس الرشد ، فلا يجوز الدفع قبلهما (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) أي بغير ما أباحه الله لكم (وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) أي ومبادرة لكبرهم معناه : لا تبادروا بأكل مالهم حذرا أن يبلغوا فيلزمكم تسليم المال إليهم (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) أي من كان غنيا من الأولياء فليستعفف بماله عن أكل مال اليتيم (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ومعناه : من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة والكفاية على جهة القرض وقيل معناه : يأخذ قدر ما يسدّ به جوعته ، ويستر عورته لا على جهة القرض (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) وهذا خطاب أيضا لأولياء اليتيم ، إي إذا دفعتم إلى اليتامى أموالهم بعد البلوغ فاحتاطوا لأنفسكم بالإشهاد عليهم كي لا يقع منهم جحود ، وتكونوا أبعد من التهمة ، فانظر إلى حسن نظر الله لليتامى وللأوصياء ، وكمال لطفه بهم ورحمته لهم ، وإنعامه عليهم ، وكذلك نظره ولطفه بجميع عباده في أمور معاشهم ومعادهم (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي شاهدا على دفع المال إليهم ، وكفى بعلمه وثيقة.
٧ ـ (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) أي حظ وسهم (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) أي من تركة الوالدين والأقربين (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) أي وللنساء من قرابة الميت حصة ، وسهم من تركته (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) أي من قليل التركة وكثيرها (نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي حظا فرض الله تسليمه إلى مستحقيه لا محالة.
٨ ـ (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) معناه : إذا شهد قسمة الميراث (أُولُوا الْقُرْبى) أي فقراء قرابة الميت (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ) أي ويتاماهم ومساكينهم يرجون أن تعودوا عليهم (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) أي اعطوهم من التركة قبل القسمة شيئا ، واختلف في المخاطبين بقوله : فارزقوهم على قولين