(احدهما) أن المخاطب بذلك الورثة ، أمروا بأن يرزقوا المذكورين إذا كانوا لا سهم لهم في الميراث والآخر : أن المخاطب بذلك من حضرته الوفاة وأراد الوصية ، فقد أمر بأن يوصي لمن لا يرثه من المذكورين بشيء من ماله (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي حسنا غير خشن. والقول المعروف أن يدعو لهم بالرزق والغنى وما أشبه ذلك.
٩ ـ ١٠ ـ (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) الأمر في الآية لولي مال اليتيم يأمره بأداء الأمانة فيه ، والقيام بحفظه كما لو خاف على مخلفيه إذا كانوا ضعافا ، وأحب أن يفعل بهم فيكون معناه : من كان في حجره يتيم فليفعل به ما يحبّ أن يفعل بذريته من بعده (خافُوا عَلَيْهِمْ) معناه : خافوا من جفاء يلحقهم ، أو ظلم يصيبهم ، أو غضاضة أو ضعة (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) أي فليتق كل واحد من هؤلاء في يتامى غيره أن يجفوهم ويظلمهم ، وليعاملهم بما يحب أن يعامل به يتاماه بعد موته (وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) أي مصيبا عدلا موافقا للشرع والحق. ثم أوعد الله آكلي مال اليتيم نار جهنم وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) أي ينتفعون بأموال اليتامى ويأخذونها ظلما بغير حق ، وفائدة تخصيص الأكل بالذكر أنه معظم منافع المال المقصودة ، وفائدة تخصيص الأكل بالذكر أنه معظم منافع المال المقصودة ، فذكره الله تنبيها على ما في معناه من وجوه الإنتفاع ، وقوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) قيل : ان النار ستلتهب من أفواههم وأسماعهم وآنافهم يوم القيامة ليعلم أهل الموقف أنهم أكلة أموال اليتامى ، وروي عن الباقر أنه قال : قال رسول الله (ص) يبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجّج أفواههم نارا فقيل له : يا رسول الله من هؤلاء؟ فقرأ هذه الآية (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) أي سيلزمون النار المسعّرة للإحراق ، وإنما ذكر البطون تأكيدا كما يقال : نظرت بعيني ، وقلت بلساني ، وأخذت بيدي ، ومشيت برجلي.
١١ ـ (يُوصِيكُمُ اللهُ) أي يامركم ويفرض عليكم ، لأن الوصية منه تعالى أمر وفرض يدل على ذلك قوله : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) ، وهذا من الفرض المحكم علينا (فِي أَوْلادِكُمْ) أي في ميراث أولادكم ثم بيّن ما أوصى به فقال (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أي للابن من الميراث مثل نصيب البنتين ، ثم ذكر نصيب الإناث من الأولاد فقال : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) أي فإن كانت المتروكات أو الأولاد نساء فوق اثنتين (فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) من الميراث. (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) مما ترك الميّت ثم ذكر ميراث الوالدين فقال : (وَلِأَبَوَيْهِ) يعني بالأبوين الأب والأم (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) فللأب السدس مع الولد ، وكذلك الأم لها السدس معه ذكرا كان أو أنثى ، واحدا كان أو أكثر (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) يعني للميت (وَلَدٌ) أي ابن ولا بنت ولا أولادهما ، لأن اسم الولد يعم الجميع (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) وظاهر هذا يدل على أن الباقي للأب وفيه إجماع ، فإن كان في الفريضة زوج فإن له النصف ، وللأم الثلث ، والباقي للأب ، وهو مذهب ابن عباس وأئمتنا (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) قال أصحابنا : إنما يكون لها السدس إذا كان هناك أب ، ويدل عليه ما تقدمه من قوله : وورثه أبواه (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) أي تقسم التركة على ما ذكرنا بعد قضاء الديون ، وإقرار الوصية ، ولا خلاف في أن الدين مقدم على الوصية والميراث وإن أحاط بالمال ، فأما الوصية فقد قيل : إنها مقدمة على الميراث وقيل : بل الموصى له شريك الوارث له الثلث ولهم الثلثان (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ