السابقين إلى الإيمان فقال (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) أي السابقون إلى الإيمان وإلى الطاعات ، وإنما مدحهم بالسبق لأن السابق إلى الشيء يتبعه غيره فيكون متبوعا وغيره تابع له ، فهو إمام فيه ، وداع له إلى الخير بسبقه إليه ، وكذلك من سبق إلى الشرّ يكون أسوأ حالا لهذه العلة (مِنَ الْمُهاجِرِينَ) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وإلى الحبشة (وَالْأَنْصارِ) أي ومن الأنصار الذين سبقوا نظراءهم من أهل المدينة إلى الإسلام (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) أي بأفعال الخير والدخول في الإسلام بعدهم ، وسلوك منهاجهم ، ويدخل في ذلك من يجيء بعدهم إلى يوم القيامة (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) أخبر سبحانه أنه رضي عنهم أفعالهم ، ورضوا عن الله سبحانه لما أجزل لهم من الثواب على طاعاتهم وإيمانهم به ويقينهم (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي يبقون ببقاء الله منعمين (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي الفلاح العظيم الذي يصغر في جنبه كل نعيم.
١٠١ ـ ١٠٢ ـ ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين فقال سبحانه (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) أي ومن جملة من حولكم ، يعني حول مدينتكم (مِنَ الْأَعْرابِ) وهم الذين يسكنون البدو إذا كانوا مطبوعين على العربية (مُنافِقُونَ) يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر وقيل : إنّهم جهينة ومزينة واسلم واشجع وغفار وكانت منازلهم حول المدينة (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) أيضا منافقون (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) أي مرنوا على النفاق وتجرؤوا عليه (لا تَعْلَمُهُمْ) با محمد ، أي لا تعرفهم (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) أي نعرفهم (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) معناه : نعذبهم في الدنيا بالفضيحة ، فإن النبي (ص) ذكر رجالا منهم وأخرجهم من المسجد يوم الجمعة في خطبته وقال : اخرجوا فإنكم منافقون ، ويعذبهم في القبر (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) أي يرجعون يوم القيامة إلى عذاب مؤبد في النار (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) يعني من أهل المدينة أو من الأعراب آخرون أقرّوا بذنوبهم وليس براجع إلى المنافقين ، والإعتراف : الإقرار بالشيء عن معرفة (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) يعني أنهم يفعلون أفعالا جميلة ، ويفعلون أفعالا سيئة قبيحة (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) قال المفسرون : عسى من الله واجبة وإنما قال عسى حتى يكونوا بين طمع واشفاق فيكون ذلك أبعد من الاتكال على العفو وإهمال التوبة (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هذا تعليل لقبول التوبة من العصاة ، أي لأنه غفور رحيم.
١٠٣ ـ ١٠٥ ـ (خُذْ) يا محمد (مِنْ أَمْوالِهِمْ) ادخل من للتبعيض لأنه لم يجب أن يصدّق بالجميع وإنما قال : من أموالهم ولم يقل من مالهم حتى يشتمل على أجناس المال كلها (صَدَقَةً) أراد بها الزكاة المفروضة بأن يأخذ من المالكين للنصاب الزكاة من الورق إذا بلغ مائتي درهم ، ومن الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا ، ومن الإبل إذا بلغت خمسا ، ومن البقر إذا بلغت ثلاثين ، ومن الغنم إذا بلغت أربعين ، ومن الغلات والثمار إذا بلغت خمسة أوسق (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) معناه : تطهّرهم تلك الصدقة عن دنس الذنوب ، وتزكيهم أنت بها أي تنسبهم إلى الزكاة وتدعو لهم بما يصيرون به أزكياء (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) هذا أمر من الله تعالى للنبي (ص) أن يدعو لمن يأخذ منه الصدقة ومعناه : ادع لهم بقبول صدقاتهم كما يقول الداعي : آجرك الله فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أبقيت ، وروي عن النبي (ص) أنه كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صلّ عليهم (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) أي ان دعواتك مما تسكن نفوسهم إليه (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع دعاءك لهم ، ويعلم ما يكون منهم في الصدقات (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) استفهام يراد به التنبيه على ما يجب أن يعلم ، لأنه إذا علم ذلك كان ذلك داعيا له إلى فعل