ومعناه : ألا لعنة الله على الذين ظلموا أنفسهم بادخال الضرر عليها ، وغيرهم بإحلال الآلام عليهم ، ولعنة الله ابعاده من رحمته. ثم وصف سبحانه الظالمين الذين لعنهم فقال (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يغوون الخلق ويصرفونهم عن دين الله ، وقد يكون ذلك بإلقاء الشبهة إليهم ، وقد يكون أيضا بالترغيب والترهيب والأطماع والتهديد وغير ذلك (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي ويطلبون لسبيل الله زيغا عن الاستقامة ، وعدولا عن الصواب (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) أي بالقيامة والبعث والنشور والثواب والعقاب (هُمْ كافِرُونَ) أي جاحدون غير مقرّين (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) بأنهم لم يكونوا فائتين في الأرض هربا فيها من الله تعالى (ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) معناه : انه ليس لهم من ولي ولا ناصر ينصرونهم ويحمونهم من الله سبحانه مما يريد إيقاعه بهم في الدنيا من المكاره ، وفي الآخرة من أنواع العذاب (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) كلما مضى ضرب من العذاب يعقبه ضرب آخر من العذاب مثله أو فوقه كذلك دائما مؤبدا ، وكل ذلك على قدر الاستحقاق (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع فلا يسمعون ، وبما كانوا يستطيعون الابصار فلا يصدقون ، عنادا وذهابا عن الحق ، فاسقطت الباء عند الكلام (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) من حيث فعلوا ما استحقّوا به العقاب فهلكوا فذلك خسران أنفسهم ، وخسران النفس أعظم الخسران لأنه ليس عنها عوض (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) مضى بيانه مرارا (لا جَرَمَ) قال الزجاج : لا نفي لما ظنوا أنه ينفعهم ، كأن المعنى : لا ينفعهم ذلك (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران ، وقال غيره : معناه : لا بدّ ولا محالة أنهم.
٢٣ ـ ٢٤ ـ لما تقدّم ذكر الكفار وما أعد الله لهم من العذاب عقّبه سبحانه بذكر المؤمنين فقال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا الله ورسوله ، واعتقدوا وحدانيته (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) التي أمرهم الله تعالى بها ، ورغّبهم فيها (وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) أي أنابوا وتضرّعوا إليه عن ابن عباس ، وقيل معناه : اطمأنوا إلى ذكره عن مجاهد ، وقيل : خضعوا له وخشعوا إليه عن قتادة ، والكل متقارب وقيل : إن معناه : وأخبتوا لربهم ، فوضع إلى موضع اللام كما قال سبحانه ، (أَوْحى لَها) ، بمعنى أوحى إليها ، وقال : ينادي للإيمان (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ظاهر المعنى : ثم ضرب سبحانه مثلا للمؤمنين والكافرين فقال (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) أي مثل فريق المسلمين كالبصير والسميع ، ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم ، لأن المؤمن ينتفع بحواسه لاستعماله إياها في الدين ، والكافر لا ينتفع بها فصارت حواسه بمنزلة المعدوم ، وإنما دخل الواو ليبيّن ان حال الكافر كحال الأعمى على حدة ، وكحال الأصم على حدة ، وحال من يكون جمع بين الصفتين جميعا (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) أي هل يستوي حال الأعمى الأصم ، وحال البصير السميع عند عاقل؟ فكما لا تستوي هاتان الحالتان عند العقلاء كذلك لا تستوي حال الكافر والمؤمن (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي أفلا تتفكرون في ذلك فتسلموا صحة ما ذكرناه.
٢٥ ـ ٢٨ ـ لما تقدّم ذكر الوعد والوعيد والترغيب والترهيب عقب ذلك سبحانه بذكر أخبار الانبياء تأكيدا لذلك وتخويفا للقوم وتسلية للنبي (ص) وبدأ بقصة نوح (ص) فقال (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) وقد مرّ بيانه (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي انذركم أن لا تعبدوا إلّا الله عن الزجاج يريد لأن توحدوا الله وتتركوا عبادة غيره وبدأ بالدعاء إلى الإخلاص في العبادة وقيل إنه دعاهم إلى التوحيد لأنه من أهمّ الأمور إذ لا يصح شيء من العبادات إلا بعد التوحيد (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) إنما قال : أخاف مع أن عقاب الكفار