وتذكير للخلق أجمعين ، فلست بنذير لهؤلاء خاصة (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) أي كم من حجة ودلالة (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تدل على وحدانية الله تعالى من الشمس والقمر والنجوم في السماء ، ومن الجبال والشجر وألوان النبات وأحوال المتقدمين ، وآثار الأمم السالفة في الأرض (يَمُرُّونَ عَلَيْها) ويبصرونها ويشاهدونها (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) أي هم عن التفكر فيها ، والإعتبار بها معرضون لا يتفكرون فيها ، يعني الكفار (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) اختلف في معناه على أقوال (أحدها) أنهم مشركو قريش ، كانوا يقرّون بالله خالقا ومحييا ومميتا ويعبدون الأصنام ويدعونها آلهة مع أنهم كانوا يقولون : الله ربنا وإلهنا يرزقنا فكانوا مشركين بذلك عن ابن عباس والجبائي (وثانيها) انها نزلت في مشركي العرب إذا سئلوا من خلق السماوات والأرض وينزل المطر قالوا الله ثم هم يشركون وكانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) أي أفأمن هؤلاء الكفار أن يأتيهم عذاب من الله سبحانه يعمّهم ، ويحيط بهم (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) يعني القيامة (بَغْتَةً) أي فجأة على غفلة منهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بقيامها قال ابن عباس : تهجم الصيحة بالناس وهم في أسواقهم.
١٠٨ ـ ١٠٩ ـ ثم أمر سبحانه نبيّه (ص) أن يبيّن للمشركين ما يدعو إليه فقال (قُلْ) يا محمد لهم (هذِهِ سَبِيلِي) أي طريقي وسنتي ومنهاجي (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) أي ادعو إلى توحيد الله وعدله ودينه على يقين ومعرفة وحجة قاطعة ، لا على وجه التقليد (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي أدعوكم أنا ويدعوكم أيضا إليه من آمن بي ويذكّر بالقرآن والموعظة ، وينهى عن معاصي الله (وَسُبْحانَ اللهِ) معناه : تنزيها لله عما أشركوا (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين اتخذوا مع الله ندّا وكفوا وولدا (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) بيّن سبحانه أنه إنما أرسل الرسل من أهل الأمصار لأنهم أرجح عقلا وعلما من أهل البوادي لبعد أهل البوادي عن العلم (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي أفلم يسر هؤلاء المشركون المنكرون لنبوتك يا محمد في الأرض (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم المكذبين لرسلهم وكيف أهلكهم الله بعذاب الإستئصال فيعتبروا بهم ، ويحذروا مثل ما أصابهم (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) يقول : هذا صنيعنا بأهل الإيمان والطاعة في دار الدنيا إذ أهلكنا عدوّهم ، ونجيّناهم من شرّهم ، ولدار الآخرة خير لهم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أفلا يفهمون ما قيل لهم فيعلمون.
١١٠ ـ ١١١ ـ ثم أخبر سبحانه وتعالى عن حال الرسل مع أممهم تسلية للنبي (ص) فقال (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) تقديره : إنا أخّرنا العقاب عن الأمم السالفة المكذبة لرسلنا كما أخّرناه عن أمتك يا محمد حتى إذا بلغوا إلى حالة يأس الرسل عن إيمانهم ، وتحقق يأسهم بإخبار الله تعالى إياهم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) أي تيقن الرسل أن قومهم كذبوهم تكذيبا عاما حتى انه لا يصلح واحد منهم وقيل : يجوز أن يكون الضمير في ظنّوا راجعا إلى الرسل أيضا ، ويكون معناه : وعلم الرسل أن الذين وعدوهم الإيمان من قومهم أخلفوهم ، أو كذبوا فيما أظهروا من الإيمان ، وسئل سعيد بن جبير في هذه الآية كيف يقرأها فقال : وظنّوا أنهم قد كذبوا بالتخفيف ، بمعنى : ظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم (جاءَهُمْ) أي جاء الرسل (نَصْرُنا) حين يأسوا بإرسال العذاب على الكفار (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) أي نخلّص من نشاء من العذاب عند نزوله وهم المؤمنون (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) أي عذابنا (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) أي في