يحولوا تلك الحالة إلى حالة أخرى (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) للحالة التي تكرهونها إلى حالة تحبونها ، يعني تحويل حال القحط إلى الخصب ، والفقر إلى الغنى ، والمرض إلى الصحة بيّن سبحانه ان من كان بهذه الصفة فإنه لا يصلح للإلهية ، ولا يستحق العبادة ، والمراد بالذين من دونه هم الملائكة والمسيح وعزير ثم رجع سبحانه إلى ذكر الأنبياء في الآية الأولى فقال (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) ومعناه : أولئك الذين يدعون إلى الله تعالى ، ويطلبون القربة إليه بفعل الطاعات (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) معناه : أولئك الذين يدعونهم ويعبدونهم ويعتقدون انه آلهة من المسيح والملائكة ، يبتغون الوسيلة والقربة إلى الله تعالى بعبادتهم ، ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) أي وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته إن أطاعوا ، ويخافون عذابه ان عصوا ، ويعملون عمل العبيد (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) أي متقى يجب ان يحذر منه لصعوبته.
٥٨ ـ ٦٠ ـ ثم زاد سبحانه في الموعظة فقال (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) معناه : وما من قرية إلّا نحن مهلكوها بإماتة أهلها (أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) وهو عذاب الإستئصال ، فيكون هلاك الصالحين بالموت ، وهلاك الطالحين بالعذاب في الدنيا فإنه يفني الناس ، ويخرّب البلاد قبل يوم القيامة ثم تقوم القيامة (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) أخبر ان ذلك كائن لا محالة ولا يكون خلافه ومعناه : كان ذلك الحكم في الكتاب الذي كتبه الله تعالى لملائكته وهو اللوح المحفوظ مكتوبا (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) التقدير : ما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلّا تكذيب الأولين ، ومعناه : انا لم نرسل الآيات التي اقترحتها قريش في قولهم حوّل لنا الصفا ذهبا ، وفجّر لنا الأرض ينبوعا إلى غير ذلك ، لأنا لو أرسلناها لم يؤمنوا فيستحقوا المعاجلة بالعقوبة ، كما انا لما أجبنا الأولين من الأمم إلى آيات اقترحوها فكذّبوا بها عذبناهم بعذاب الإستئصال ، لأن من حكم الآية المقترحة انه اذا كذب بها وجب عذاب الإستئصال ، ومن حكمنا النافذ في هذه الآيات ان لا نعذبهم بعذاب الإستئصال ، لشرف محمد (ص) ، ولما يعلم في ذلك من المصلحة ، ولأن أمته باقية ، وشريعته مؤبدة إلى يوم القيامة ، فلذلك لم نجبهم إلى ذلك ، وأنزلنا من الآيات الواضحات ، والمعجزات البينات ما تقوم به الحجة ، وتنقطع به المعذرة (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) أي بينة ، أراد آية مبصرة كما قال : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) ومعناه : دلالة واضحة ظاهرة وهي ناقة صالح المخرجة من الصخرة على الصفة التي اقترحوها (فَظَلَمُوا بِها) أي فكفروا بتلك الآية ، وجحدوا بأنها من عند الله (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) أي لا نرسل الآيات التي نظهرها على الأنبياء إلّا عظة للناس وزجرا وتخويفا لهم من عذاب الله ان لم يؤمنوا. ثم خاطب سبحانه النبي (ص) فقال (وَإِذْ قُلْنا لَكَ) أي واذكر الوقت الذي قلنا لك يا محمد (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) أي أحاط علما بأحوالهم وبما يفعلونه من طاعة أو معصية ، وما يتسحقونه على ذلك من الثواب والعقاب (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) ان ذلك رؤيا رآها النبي (ص) في منامه ان قرودا تصعد منبره وتنزل ، فساءه ذلك واغتمّ به ، ولم يستجمع بعد ذلك ضاحكا حتى مات ، والشجرة الملعونة هي بنو أمية ، أخبره الله سبحانه بتغلبهم على مقامه ، وقتلهم ذريته (وَنُخَوِّفُهُمْ) أي نرهبهم بما نقص عليهم من هلاك الأمم الماضية (فَما يَزِيدُهُمْ) ذلك (إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) أي عتّوا في الكفر عظيما ، وتماديا في الغيّ كبيرا ، لأنهم لا يرجعون عنه.
٦١ ـ ٦٥ ـ ثم ذكر سبحانه قصة آدم (ع) وإبليس فقال