في الدنيا خير مما عرضتموه عليّ من الأجر (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي برجال فيكون معناه : بقوة الأبدان (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) أي سدا وحاجزا (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) أي اعطوني قطع الحديد (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) أي سوّى بين جانبي الجبل بما جعل بينهما من الزبر قال الأزهري : يقال لجانبي الجبل صدفان لتصادفهما ، أي تحاذيهما وتلاقيهما (قالَ انْفُخُوا) معناه : قال ذو القرنين انفخوا النار على الزبر ، أمرهم ان يؤتى بمنافخ الحدادين فينفخوا في نار الحديد التي أوقدت فيه (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) أي حتى اذا جعل الحديد كالنار في منظره من الحمى واللهب فصار قطعة واحدة لزم بعضها بعضا (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) أي اعطوني نحاسا مذابا ، أو صفرا مذابا ، أو حديدا مذابا ، أصبه على السد بين الجبلين حتى ينسد الثقب الذي فيه ويصير جدارا مصمتا ، فكانت حجارته الحديد ، وطينه النحاس الذائب (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) معناه : فلما تمّ لم يستطع يأجوج ومأجوج ان يعلوه ويصعدوه (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) أي ولم يستطيعوا ان ينقبوا أسفله لكثافته وصلابته وقيل : ان هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط وقيل : ان مقدار ارتفاع السد مائتا ذراع ، وعرض الحائط نحو خمسين ذراعا (قالَ) ذو القرنين (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) أي هذا السد نعمة الله لعباده أنعم بها عليهم في دفع شر يأجوج ومأجوج عنهم (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) يعني إذا جاء وقت اشراط الساعة ووقت خروجهم الذي قدّره الله تعالى (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) أي جعل السد أرضا مستويا مع الأرض مدكوكا (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) أي وكان ما وعد الله بأن يفعله لا بدّ من كونه ، فإنه حقّ اذ لا يجوز ان يخلف وعده.
٩٩ ـ ١٠٦ ـ ثم أخبر سبحانه عن حال تلك الأمم فقال (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) أي وتركنا يأجوج ومأجوج يوم انقضاء أمر السد يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم ، ويكون حالهم كحال الماء الذي يتموج باضطراب أمواجه ثم ذكر سبحانه نفخ الصور فقال (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) لأن خروج يأجوج ومأجوج من اشراط الساعة ، واختلف في الصور فقيل : هو قرن ينفخ فيه وقيل : وهو جمع صورة فإن الله سبحانه يصور الخلق في القبور كما صورهم في أرحام الأمهات ، ثم ينفخ فيهم الأرواح كما نفخ وهم في أرحام أمهاتهم (فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) أي حشرنا الخلق يوم القيامة كلهم في صعيد واحد (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) أي أظهرنا جهنم وأبرزناها لهم حتى شاهدوها ورأوا الوان عذابها قبل دخولها. ثم وصف الكافرين فقال : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) ذكر سبحانه السبب الذي استحقّوا به النار ، يعني الذين غفلوا عن الإعتبار بقدرتي ، الموجب لذكري ، وأعرضوا عن التفكر في آياتي ودلائلي فصاروا بمنزلة من يكون في عينه غطاء يمنعه من الإدراك (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) أي وكان يثقل عليهم سماع القرآن وذكر الله تعالى كما يقال : فلان لا يستطيع النظر إليك ولا يستطيع أن يسمع كلامك ، أي يثقل عليه ذلك ، وأراد بالعين هنا عين القلب ، كما يضاف العمى إلى القلب (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) معناه : أفحسب الذين جحدوا توحيد الله أن يتخذوا من دوني أرباب ينصرونهم ويدفعون عقابي عنهم؟ والمراد بالعباد المسيح والملائكة الذين عبدوهم من دون الله وهم براء منهم ومن كل مشرك بالله تعالى (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) أي منزلا ، يريد هي مثواهم ومصيرهم (قُلْ) يا محمد (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ) أي هل نخبركم (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) أي بأخسر الناس أعمالا والمعنى : بالقوم الذين هم أخسر الناس فيما عملوا وهم كفار أهل الكتاب اليهود والنصارى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ) أي بطل عملهم واجتهادهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ