(قالَ) لها (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ) وقد بيّنا معنى القرائتين (غُلاماً زَكِيًّا) أي ولدا طاهرا من الأدناس (قالَتْ) مريم (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) أي كيف يكون لي ولد (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) أحد على وجه الزوجية (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) أي ولم أكن زانية ، وإنما قالت ذلك لأن الولد في العادة يكون من إحدى هاتين الجهتين.
٢١ ـ ٣٠ ـ (قالَ كَذلِكِ) أي قال لها جبرائيل حين سمع تعجبها من هذه البشارة : الأمر كذلك أي كما وصفت لك (قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي احداث الولد من غير زوج للمرأة سهل متأت لا يشق عليّ (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) معناه : ولنجعله علامة ظاهرة ، وآية باهرة للناس على نبوته ، ودلالة على براءة أمه (وَرَحْمَةً مِنَّا) له ولنجعله نعمة منا على الخلق يهتدون بسببه (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) أي وكان خلق عيسى من غير ذكر أمرا كائنا مفروغا عنه محتوما ، قضى الله سبحانه بأن يكون وحكم به (فَحَمَلَتْهُ) أي فحملت مريم في الحال قيل : إن جبرائيل أخذ ردن قميصها بأصبعه فنفخ فيه ، فحملت مريم من ساعتها ووجدت حس الحمل وقيل نفخ في كمها فحملت عن ابن جريج ، وروي عن الباقر (ع) انه تناول جيب مدرعتها فنفخ فيه نفخة فكمل الولد في الرحم من ساعته كما يكمل الولد في أرحام النساء تسعة أشهر ، فخرجت من المستحم وهي حامل مثقل ، فنظرت إليها خالتها فأنكرتها ومضت مريم على وجهها مستحية من خالتها ومن زكريا (فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا) أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد ، ومدة حملها ساعة واحدة ، (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) أي الجأها الطلق (إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) فالتجأت إليها لتستند اليها فلما ولدت (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) أي شيئا حقيرا متروكا قال ابن عباس : فسمع جبرائيل كلامها ، وعرف جزعها (فَناداها مِنْ تَحْتِها) وكان أسفل منها تحت أكمة (أَلَّا تَحْزَنِي) وهو قول السدي وقتادة والضحاك ان المنادي جبرائيل ، ناداها من سفح الجبل وقيل : ناداها عيسى عن مجاهد والحسن ووهب (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) أي ناداها جبرائيل ـ ليزول ما عندها من الغم والجزع ـ لا تغتمي قد جعل ربك تحت قدميك نهرا تشربين منه ، وتتطهرين من النفاس قالوا : وكان نهرا قد انقطع الماء عنه ، فأرسل الله الماء فيه لمريم ، واحيى ذلك الجذع حتى أثمر وأورق وقيل : ضرب جبرائيل عليهالسلام برجله فظهر ماء عذب ، وقيل : بل ضرب عيسى برجله ، فظهرت عين ماء ، وهو المروي عن أبي جعفر عليهالسلام ، وقيل : السري : عيسى عليهالسلام ، عن الحسن وابن زيد والجبائي ، والسري : هو الشريف الرفيع قال الحسن : كان والله عبدا سريا (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) معناه : اجذبي اليك بجذع النخلة (تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) مرّ معناه ، وقال الباقر (ع): لم تستشف النفساء بمثل الرطب ، ان الله أطعمه مريم في نفاسها وقيل ان تلك النخلة كانت برنية وقيل كانت عجوة وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) (فَكُلِي وَاشْرَبِي) أي كلي يا مريم من هذا الرطب ، واشربي من هذا الماء (وَقَرِّي عَيْناً) جاء في التفسير وطيبي نفسا وقيل معناه : لتقرّ عينك سرورا بهذا الولد الذي ترين لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة وقيل معناه لتسكن عينك سكون سرور برؤيتك ما تحبين (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) فسألك عن ولدك (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أي صمتا والمعنى : أوجبت على نفسي لله ان لا أتكلم وإنما أمرت بالصمت ليكفيها الكلام ولدها بما يبرىء به ساحتها (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) أي اني صائمة فلن أكلم اليوم أحدا (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ) أي فأتت مريم بعيسى حاملة له وذلك انها لفّته في خرقه وحملتة إلى قومها (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) أي أمرا عظيما إذ لم تلد أنثى قبلك من غير رجل وقيل :