النعم الدينية والدنيوية (مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ) إنما فرّق سبحانه ذكر نسبهم مع ان كلهم كانوا من ذرية آدم (ع) لتبيان مراتبهم في شرف النسب ، فكان لإدريس شرف القرب لآدم لأنه جد نوح (ع) ، وكان إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه من ولد سام بن نوح ، وكان إسماعيل وإسحاق ويعقوب من ذرية إبراهيم لما تباعدوا من آدم حصل لهم شرف إبراهيم ، وكان موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى من ذرية إسرائيل (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا) أي هديناهم إلى الحق فاهتدوا ، واخترناهم من بين الخلق ، ثم وصفهم فقال : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) أي تقرأ عليهم (آياتُ الرَّحْمنِ) وهو القرآن (خَرُّوا سُجَّداً) أي ساجدين لله (وَبُكِيًّا) أي باكين متضرعين إليه ، بيّن الله سبحانه أنهم مع جلالة قدرهم كانوا يبكون عند ذكر آيات الله ، وهؤلاء العصاة ساهون لاهون مع إحاطة السيئات بهم ، ثم أخبر سبحانه فقال : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) والخلف : البدل السيء ، معناه : من بعد النبيين المذكورين قوم سوء ، هم اليهود ومن تبعهم لأنهم من ولد إسرائيل (أَضاعُوا الصَّلاةَ) أضاعوها بتأخيرها عن مواقيتها من غير أن تركوها أصلا (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) أي أنفذوا الشهوات فيما حرّم الله عليهم (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) أي يلقون مجازاة الغي ، وهذا كقوله : (مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) : أي مجازاة الآثام (إِلَّا مَنْ تابَ) أي ندم على ما سلف (وَآمَنَ) في مستقبل عمره (وَعَمِلَ صالِحاً) من الواجبات والمندوبات (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) أراد أنهم يدخلونها بأمر الله ولا يبخسون شيئا من ثوابهم ، بل يوفيه الله إليهم على التمام والكمال ، وفي هذا دلالة على ان الله لا يمنع أحدا ثواب عمله ولا يبطله ، لأنه سبحانه سمى ذلك ظلما.
٦١ ـ ٦٥ ـ ثم وصف سبحانه الجنة فقال : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي جنات إقامة ، يقال : عدن بالمكان إذا قام به (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) المراد بالعباد المؤمنون كما قال : (فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) وقال : بالغيب لأنهم غابوا عما فيها مما لا عين رأت ولا اذن سمعت (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ) أي موعوده (مَأْتِيًّا) أي آتيا لا محالة (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) أي لا يسمعون في تلك الجنات القول الذي لا معنى له يستفاد وهو اللغو (إِلَّا سَلاماً) أي إلّا سلام الملائكة عليهم ، وسلام بعضهم على بعض (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قال المفسرون : ليس في الجنة شمس ولا قمر فيكون لهم بكرة وعشيا ، والمراد انهم يؤتون برزقهم على ما يعرفونه من مقدار الغداء والعشاء (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي) هي مذكورة في قوله فأولئك يدخلون الجنة التي (نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) أي إنما نملّك تلك الجنة من كان تقيا في دار الدنيا بترك المعاصي ، وفعل الطاعات (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) قال ابن عباس : إن النبي (ص) قال لجبرائيل : ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزل : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الآية ، أي إذا أمرنا نزلنا عليك (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) معناه : له ما بين أيدينا من أمر الآخرة ، (وَما خَلْفَنا) : أي ما مضى من أمر الدنيا ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) : أي ما بين النفختين ، عن ابن عباس وقتادة والضحاك والربيع. قال مقاتل : وما بين النفختين أربعون سنة ، وقيل معناه : ابتداء خلقنا ، ومنتهى آجالنا ، ومدة حياتنا ، وقيل : ما بين أيدينا : أي الأرض عند نزولنا ، وما خلفنا : ما مضى من الدنيا وما بين ذلك من حياتنا أي هو المدبر لنا في الأوقات الماضية والآتية والذاهبة وقيل : ما بين أيدينا : أي الأرض عند نزولنا ، (وَما خَلْفَنا) : السماوات إذ نزلنا منها ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) : السماء والأرض (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أخبر الله سبحانه عن نفسه ومعناه : أنه سبحانه ليس ممن ينسى ويخرج عن كونه عالما لذاته وتقديره : وما نسيك يا محمد وإن أخّر الوحي عنك (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خالقهما