فإن قيل : ما الحكمة في حكاية هذه الشكاية؟
قلت : تخويف المشكوّ منه من سرعة انتقام المشكوّ إليه ، على ما ألف وعرف منه من نصر أوليائه وكسر أعدائه.
فعزّاه الله تعالى ووعده النصر فقال : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا) أي : وكما جعلنا لك عدوا من قومك جعلنا (لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً) لك إلى طريق استئصالهم (وَنَصِيراً) ناصرا لك عليهم.
وقيل : إن هذا يقوله يوم القيامة.
المعنى : ويقول الرسول.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٣٤)
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يريد : كفار قريش.
وقيل : اليهود.
(لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) كما نزّل التوراة والإنجيل ، و" نزّل" هاهنا بمعنى : " أنزل" ؛ كخبّر بمعنى : أخبر ، وإلا كان متناقضا ، وهذا أيضا من جملة اقتراحاتهم الدالة على عنتهم ، وهو أحد الأسباب التي كانوا يتعللون بها إذا شرقوا بالحق الواضح ، وراموا معارضته بالشبهة الباطلة.
قوله تعالى : (كَذلِكَ) متعلق بفعل مضمر ، أي : أنزلناه كذلك منجما ، (لِنُثَبِّتَ