والمعنى : نسقي من ذلك بعض الذي خلقنا.
ثم فسّر ذلك البعض فقال : (أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً).
فإن قيل : لم خصّ الأنعام من بين سائر الحيوانات بالذّكر؟
قلت : لأنها معظم أموالهم ، ومتعلق آمالهم ، ومادة متاعهم ، وانتفاعهم في سهلهم وبقاعهم (١) ، فكان الإنعام عليهم بسقي الأنعام التي لهم ، كالإنعام عليهم بسقيهم.
فإن قيل : لم بدأ بذكر الأنعام وقدّمه على الأناسي؟
قلت : لأنها السبب في بقائهم ، فكان [لها](٢) مرتبة التقديم في الذّكر ، أو لأنها إذا سقيت لأجلهم كانوا هم أولى وأجدر أن يسقوا.
قال الزجاج (٣) : الأناسي : جمع إنسي ، مثل : كرسي وكراسي. ويجوز أن يكون جمع إنسان ، وتكون الياء بدلا من النون ، الأصل : أناسين ، مثل : سراحين.
فعلى هذا الوجه الثاني الذي ذكره الزجاج ؛ يكون قد أدغم الياء في الياء.
قال الزمخشري (٤) : ونحوه : ظرابيّ في ظربان ، على قلب النون ياء ، والأصل ظرابين.
قلت : الظّربان : دويبة شديد نتن ريحها ، وقد قيل : إنها إذا وصلت إلى معاطن الإبل تفرّقت الإبل من نتنها ، وإن مرّ بها إنسان وقت إرسالها الريح عبقت الرائحة
__________________
(١) في ب : ويفاعهم.
(٢) زيادة من ب.
(٣) معاني الزجاج (٤ / ٧١).
(٤) الكشاف (٣ / ٢٩٠).