(أَنِّي رَسُولُ اللهِ) ، فهيّج دواعي شفقتهم بقوله : " يا قوم" ؛ ليكفوا عن أذاه بسبب النّسب ، وعاب عليهم أذاهم (١) إياه مع كونهم عالمين برسالته ، مصدّقين بنبوّته.
وفي ضمن ذلك : تخويفهم من إقدامهم واجترائهم على الله وعلى أذى [رسوله](٢) عمدا ، بعد ما شاهدوا معجزاته وعاينوا آياته.
(فَلَمَّا زاغُوا) مالوا عن الحق (أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) عن الهدى الواضح ؛ جزاء لهم على سوء ما اختاروه لأنفسهم من الزيغ.
ومعنى الآية : اذكر يا محمد لقومك وقت قول موسى لقومه هذا القول ، لعلهم يرتدعون عن أذاك ، خوفا مما جوزي به قوم موسى من إزاغة قلوبهم ومنعهم الهداية.
فإن قيل : لم قال عيسى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) ولم يقل (٣) : " يا قوم" ، كما قال موسى؟
قلت : عنه أجوبة :
أحدها : أن الله أوجده من غير أب ، فلم يكونوا قومه ؛ لأن قوم الإنسان عصبته الذين يقومون بأمره.
الثاني : أن إيجاده من غير أب كان أعظم آياته وأوضح معجزاته ، فكره أن يأتي بلفظ يوهم نفي معجزاته وآيته ولو على بعد.
الثالث : أن موسى قصد استدفاع أذاهم ، فأتى بلفظ يستعطف به قلوبهم ،
__________________
(١) في ب : أذاه.
(٢) في الأصل : رسله. والتصويب من ب.
(٣) قوله : " ولم يقل" مكرر في الأصل.