الحجازية ، وكل واحد منها قد أسس وفتح تحت أبراج منقوشة بألوان متنوعة ومستحكمة بنيت لصد هجمات عربان البوادى ، ويبعد كل واحد عن الآخر مسافة منزل رصاص وبنيت مطابقة لفن وقواعد بناء القلاع والحصون على شكل نصف دائرى ، وصنع فوق جدران الأسوار بعض الأبراج وزرعت فى داخل المدينة وخارجها أشجار نخيل لا تعد ولا تحصى وذلك بمساعدة وفرة المياه وجودة الهواء.
ولم يكن فى عصر السعادة أسوار ولا مستحكمات ، وكانت دور أجداد الأنصار من قبائل «الأوس والخزرج» متصلة بعضها ببعض مثل قرى متسلسلة ، لذا كان شكل المدينة الطاهرة بلدة طولية جسيمة وقد وصل أحد أطرافها إلى قرية «قباء» التى تثير الشوق إليها. وقد دام عمارها الذى حدث فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم إلى واقعة الحرّة الشهيرة ، وبعد ذلك آلت إلى الخراب تدريجيا ، وبما أنها قد صغرت إلى أقصى حد فى عهد طائع الله بن المطيع لله العباسى ، فقد أخذ العربان الذين يسكنون الصحراء يثورون من حين لآخر ويطوفون ويمضون ثم يغيرون على المدينة وينهبون أموال الأهالى ويستولون على كل ما يمتلكون ، فأراد عضد الدولة (١) ابن بويه أن يحمى سكان دار السكينة وأموالهم من نهب أشقياء البدو وأن يخلصهم من تسلطهم ، فأحاط تلك المدينة بسور متين فى سنة «٣٦٠ ه» (٢) ، ودام السور الذى بناه عضد الدولة وأسسه ما يقرب من مائتى عام ، إلا أنه لم يعمر ولم يصلح ولم يرمم لفترة طويلة فآلت أبراجه وجدرانه بالتدريج إلى الخراب واندرس حتى لم يبق أثر لأسسه ، وأخذ العربان الذين لا يذعنون فى إزعاج الأهالى ، لذا بنى صاحب رباط العجم (٣) «جمال الدين محمد بن أبى منصور» الأصفهانى سورا جديدا قويا فوق أنقاض السور القديم المندرس ، وبهذا
__________________
(١) كان هذا الشخص وزير «طايع الله أبو شجاع ركن الدولة» ومن آثاره الخيرية سوق شيراز الذى يطلق عليه «سوق الأمير» ودار شفاء بغداد ، وأضرحة الإمام على والإمام الحسين «رضى الله عنهما» فى النجف بكربلاء
(٢) يروى البعض أن السور المذكور قد طرح فى سنة «٣٦٣ ه».
(٣) قد عرف موقع هذا الرباط فى الصورة الأولى من الوجهة الثانية عشرة.