ألا ترى أن الله تعالى يقول : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (١) وهكذا قوله : (فَغَشَّاها ما غَشَّى) (٢) ستر عن كل رقيب ما كان بينه وبين حبيبه.
قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» (٣) يدلّ هذا على أنّه كان بينه وبين ربّه أسرار (٤). والله أعلم.
ـ قيل : إنّ هذا شعار لسورة وعلامة لها ، ولله تعالى أن يعلّم الأشياء ويسمّيها كما يريد كما سمّى الفرس فرسا ، والخيل خيلا ، والأرض أرضا للعلامة.
كذلك جعل هذه الأحرف علامة للسور ، حتى إنّه لو قيل لرجل : أيّ سورة قرأت؟ فيقول : سورة «آلم» و «المص» وأشباه ذلك.
ـ وقيل : إنّ هذه الحروف جعلها الله علامة لانقضاء سورة كانت قبلها ، وابتداء أخرى وذلك موجود في كلام العرب ، بينما الرجل ينشد الشعر ، ثم يدخل في كلامه بلى أو بل أو نعم ، علامة لانقضاء كلام الأول وابتداء الآخر.
__________________
(١) سورة النجم : آية ١٠.
(٢) سورة النجم : آية ٥٤.
(٣) الحديث أخرجه الشيخان ، وزاد البخاري : «فغطى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجوههم لهم خنين» وهو في البخاري في كتاب التفسير في سورة المائدة ، وكتاب الرقائق ، وكتاب الاعتصام.
وراجع زاد المسلم للشنقيطي ٢ / ١٠٥ ، وفتح الباري ٨ / ٢٨٠.
(٤) ومما يدل على هذا المعنى ما ذكره البرسوي في تفسيره فقال :
لما كلّم الله موسى بالواد المقدس قال له : (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي.) ولما عرج بنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم قال الله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) إلا أنه ما أفشاه ، وكان سرا ، لم يؤهل له أحد من الخلق.
راجع روح البيان ٥ / ٣٧٤.