قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما : إنّ الله تعالى لما ضرب المثلين في أول السورة : أحدهما قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (١) ، والثاني : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) (٢) ، قالت اليهود وبعض الكفرة : إنّ هذا لا يشبه كلام الوحي ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً.)
ـ وقال الحسن وقتادة : إنّ الله تعالى لما ضرب المثلين : أحدهما بالذباب ، والثاني بالعنكبوت ، قالت اليهود والكفرة : ماذا أراد الله بضرب هذا؟ فأنزل الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٣) مثل الذباب والعنكبوت.
ـ فلو جمعت بين قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) (٤) ، وقوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) (٥) ، وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ) (٦) ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ،) لكان كأنّه جلّ جلاله أخبر أنّ من الناس من يتخذ من دون الله أندادا ، ثم زجرهم ونهاهم بقوله : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٥) أنّ الله خلق الأشياء ، ثم أخبرهم عن عجز آلهتهم ، ودلّهم على أنّ الآلهة ضعيفة أضعف من الذّباب. ومن عبدها طالبا منها النصرة والقوة ، كان مثله كعنكبوت اتخذت بيتا ليمنعها عن قرّ (٧) وحرّ ، فكما أنّ بيت العنكبوت لا يغني عن حرّ وقرّ ، فكذلك الأصنام والأنداد التي اتخذوها آلهة لا تنفعهم ، ولا تغني عنهم من عذاب الله من شيء.
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٧.
(٢) سورة البقرة : آية ١٩.
(٣) سورة البقرة : آية ٢٦.
(٤) سورة البقرة : آية ١٦٥.
(٥) سورة البقرة : آية ٢٢.
(٦) سورة العنكبوت : آية ٤١.
(٧) القرّ : البرد.