كانوا يستفيدون من الخلاف والفرقة بين عناصر المجتمع إذا هم ما لمسوه من تقارب نسبي بين الطوائف المسلمة ، فجنّدوا أنفسهم لتعكير صفو الأمن ، وأظهروا كل ما تكنّه نفوسهم من تعصب ضد خصومهم في المذهب ، فاعتدوا على رجال العلم ، وعرّضوا قسماً مهماً من التراث الإسلامي إلى الضياع بإحراقهم المعاهد ودور الكتب والعلم (١).
٣ ـ الأوضاع الاجتماعية والسياسية في بغداد في النصف الأول من القرن الخامس الهجري
كان القرن الخامس الهجري عصر انهيار سياسي بالنسبة إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية ، ولكنّه في الوقت ذاته كان عصر نضجٍ فكريّ ، فقد احتضنت هذه المدينة نخبة صالحة من كبار المفكرين وشيوخ المحدثين وأماثل العلماء والمتكلمين ومنهم شيخنا الطوسي الّذي دخلها سنة ٤٠٨ ه ، وقد صوّر الباحث الفاضل حسن عيسى الحكيم في كتابه القيّم «الشيخ الطوسي أبو جعفر محمد بن الحسن» هذه الحقبة الزمنية والتي تبدأ بسيطرة البويهيين على العراق وينتهي بدخول طُغرل بيك إلى بغداد عام ٤٤٧ ه خير تصوير حيث يقول :
تميّز العصر الّذي نتحدث عنه بظاهرة الصراع الفكري بين أرباب
__________________
(١) لأجل الوقوف على فداحة المآسي التي وقعت في هذه الفترة والجرائم التي ارتكبت راجع : البداية والنهاية ١٢ : ٧١ ، المنتظم لابن الجوزي ٨ : ١٧٩ ، طبقات الشافعية ٤ : ١٢٧ ، كشف الظنون ١ : ٤٥٢ ، الشيخ الطوسي لحسن عيسى الحكيم : ٧٩ ـ ٧٨.