تاريخية عديدة ولكلّ مرحلةٍ سماتها ومزاياها وخصائصها المعيّنة ، وتختص بعض هذه المراحل التاريخية بأهل السُّنة وبعضها بالشيعة الإمامية وبعضها مشتركة بينهما ، وأوّل هذه الأدوار هو مرحلة التأسيس حيث يصرّ أهل السُّنة على أنّ مؤسس علم الأُصول وواضعه هو الشافعي ، يقول الشيخ أبو زهرة : (والجمهور من الفقهاء يقرّون للشافعي بأسبقيته بوضع علم الأُصول).
أقول : ان الحقيقة تباين هذا الرّأي ، فانه لو كان مقصوده من (وضع علم الأُصول) التأسيس والإبداع فلا ينبغي الترديد في بطلان هذا الانتساب في أمثال هذه العلوم ، لأن علم الأُصول علمٌ مركب من مسائل عديدة ومن مواضيع وأبحاث شتى ، ففيه أبحاث اللُّغة والأدب والعلوم العقلية وبناء العقلاء والتعبد الشرعي وغيرها ، فانتساب علم الأصول إلى واضعي هذه العلوم أصحّ وأولى من انتسابه إلى الشافعي ، إذ كيف يُعقل أن ننسب إبداع وتأسيس قاعدة دلالة الأمر على الوجوب والنهي على الحرمة ، وحكم العقل بحُسن الأفعال وقبحها ، والعمل بخبر الثقة ، وحجيّة الاستصحاب ، وغيرها إلى الشافعي؟
وإن كان مقصوده من (وضع علم الأُصول) الكشف عن قواعده وتبيينها وتطبيقها في مجال الاستنباط ، فانه وإن فرضنا صدق انتسابه للشافعي في بعض الموارد ، لكن لا يمكن تعميمه على جميع قواعد علم الأُصول ، لأنّه من المُتّفق عليه عند الجميع أنه بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله كانت جماعة من فقهاء الصحابة والتابعين مجتهدون ، فكانوا يمارسون عملية الاستنباط باعمال القواعد الأُصولية ـ ولو على نحو الارتكاز ـ فكانوا