قال مالك ، فقال الشافعي : إنما مالك آدمي قد يخطئ ويغلط ، فصار ذلك داعيا للشافعي إلى أن وضع الكتاب على مالك ، وكان يقول : كرهت أن أفعل ذلك ، ولكني استخرت الله تعالى فيه سنة. وقال الربيع : سمعت الشافعي : يقول قدمت مصرا ولا أعرف أن مالكا يخالف من أحاديثه إلاّ ستة عشر حديثا ، فنظرت فإذا هو يقول بالأصل ويدع الفرع ، ويقول بالفرع ويدع الأصل.
وأقول : إن أرسطاطاليس الحكيم تعلّم الحكمة من أفلاطون ثم خالفه ، فقيل له : كيف فعلت ذلك؟ فقال : أستاذي صديقي والحق صديقي وإذا تنازعا فالحق أولى بالصداقة. فهذا المعنى بعينه هو الذي حمل الشافعي على إظهار مخالفة مالك.
والذي يدل على صحّة ما ذكرناه : إن الكتاب الذي وضع الشافعي على مالك قال في أوله : إذا قلت حدّث الثقة عن الثقة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فهو ثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يترك إلاّ إذا وجد حديث يخالفه ، وإذا اختلفت الأحاديث فللاختلاف فيها وجهان : أحدهما : أن يكون فيها ناسخ ومنسوخ ، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ. والآخر : أن لا يتميز الناسخ عن المنسوخ ، فههنا نذهب إلى أثبت الروايتين ، وإذا تكافأتا ذهبت إلى أشبه الحديث بكتاب الله أو أشبههما بحديث آخر ، وإذا ثبت الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يخالفه حديث آخر ، وكان يروى عن غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديث يخالفه لم ألتفت إلى ما خالفه ، فحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولى أن يؤخذ به ، وإن كان روى عن غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديث يوافقه لم يزده قوة ، وحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستغن عنه.
ولمّا قرّر الشافعي هذه القاعدة ذكر أن مالكا اعتبر هذه القاعدة في بعض المواضع دون بعض ، ثم ذكر المسائل التي ترك الأخبار الصحيحة فيها بقول واحد من الصحابة ، أو بقول واحد من التابعين ، أو لرأي نفسه ، ثم ذكر ما ترك فيه من أقاويل الصحابة لرأي بعض التابعين ، أو لرأي نفسه ، وذلك أنه ربما يدعي الإجماع وهو مختلف فيه. ثم بيّن الشافعي أنه ادعى أن إجماع أهل المدينة حجة ،