فمنهم : الشيخ محيي الدين ابن عربي ، كبير أوليائهم وأكبر مشايخهم ، حيث صرّح بأنه لم يكن أقرب إلى الله تعالى في عالم الهباء ـ وهو عالم النور ـ من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب « إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين » ، وهذا نص كلامه :
« فصل ـ كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه وكان ، لم يرجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها ، بل كان موصوفا بنفسه ، وسمي قبل خلقه بالأسماء التي يدعونه بها خلقه ، فلما أراد وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه الفعل عن تلك الإرادة المقدسة ، بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية حقيقة تسمى الهباء هي بمنزلة طرح البناء الجص ، ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور ، وهذا أول موجود في العالم ، وقد ذكره علي بن أبي طالب رضياللهعنه وسهل بن عبد الله رحمهالله وغيرهما من أهل التحقيق أهل الكشف والوقوف.
ثم إنه سبحانه تجلّى بنوره إلى ذلك الهباء ، ويسمونه أصحاب الأفكار الهيولى الكلي والعالم كله فيه بالقوة والصلاحية ، فقبل منه كل شيء في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده ، كما يقبل زوايا البيت نور السراج ، وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتد ضوؤه وقبوله ، قال الله تعالى ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) فشبه نوره بالمصباح ، فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلاّ حقيقة محمّد صلّى الله عليه وسلّم المسماة بالعقل الأول ، فكان سيّد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود ، فكان ظهوره من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية ، وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه ، وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين » (١).
__________________
(١) الفتوحات المكية ـ الباب السادس ، في بدء الخلق.