الكدر والعماء.
فلتفاوت الأشباح والأرواح اختلفت الأقوال والأحوال ، فالمحبو لصافي الأرواح يحن جوهره دائما إلى صفوة الروحانية الذين هم سكان العلى من السماوات ، والممنو بكدر الأرواح يميل جوهره دائما إلى مماثلة المسخرة والبهائم من الأنعام المركبة من الكدر والظلمات. فإذا اختلفت الأبنية والأمزجة فالمجبول على أعدل الترتيب وأصفى التركيب من لباب البشر وصباب النشر : من ارتاح للتألّه والصلاح ، واهتز للتشمّر والفلاح ، مخصوص بالبشارة والنذارة مقصود بالنفث والإيحاء من الكرام البررة ، ممد بالموهبة الالهية والأثرة العلوية ويسعد بالقبول منه المتوسط من المقبلين ، ويحجب بالنفور عنه والتكبر منه العماة من المدبرين.
فأولئك المقصودون هم الدعاة من الأولياء والسادة من الرسل والأنبياء ».
أقول : دل هذا الكلام على أفضلية الأنبياء لكونهم أشرف الخلائق خلقة ، ولاختصاصهم بهذه المزايا المذكورة والفضائل العالية ، ولما كان نور أمير المؤمنين عليهالسلام متحدا مع نور النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وكان ذلك النور متقدما في الخلق على خلق آدم عليهالسلام ، كان علي عليهالسلام ـ كالنبي ـ أفضل من جميع الأنبياء وسائر الخليفة ، وصاحب تلك المزايا الجليلة ، فعلي أفضل الأمة الإسلامية بعد النبي ، وإذا كان كذلك بطل تقدّم الثلاثة عليه ، وهو المطلوب.
ثم قال أبو نعيم :
« فالنبوة هي سفارة العبد بين الله وبين ذوي الألباب من خليقته ، ولهذا يوصف أبدا بالرسالة والبعثة ، وقيل : إن النبوة إزاحة علل ذوي الألباب فيما تقصر عقولهم عنه من مصالح الدارين ، ولهذا يوصف دائما بالحجة والهداية ، ليزيح بها عللهم على سبيل الهداية والتثقيف ، ومعنى النبي هو ذا النبأ والخبر بأن يكون مخبرا عن الله بما خصه به من الوحي ، وقيل : إنها مشتقة من النبوة التي هي المكان المرتفع عن الأرض ، وهو أن يخص بضرب من الرفعة ، فجعل سفيرا بين الله وبين خلقه ، يعني بذلك وصفه بالشرف والرفعة ، ومن جعل النبوة من الإنباء التي هي الاخبار لم يفرق بين النبوة والرسالة.