وأما معنى الرسول فهو المرسل ، فعول على لفظ مفعل ، وإرساله أمره إيّاه بإبلاغ الرسالة والوحي ، ومعنى الوحي مأخوذ من الوحي وهو العجلة ، فلما كان الرسول متعجلا لما يفهم قيل لذلك التفهم وحي ، وله مراتب ووجوه في القرآن وحي إلى الرسول ، وهو أن يخاطبه الملك شفاها أو يلقي ذلك في روعه وذلك قوله ( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ). يريد بذلك خطابا يلقى فهمه في قلبه حتى يعيه ويحفظه وما عداه من غير خطاب ، فإنما هو ابتداء إعلام وإلهام وتوقيف من غير كلام ولا خطاب كقوله تعالى : ( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) ، ( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ) وما في معناه.
ثم إن هذه النبوة التي هي السفارة لا تتم إلاّ بخصائص أربعة يهبها الله لهم ، كما أن إزاحة علل العقول لا تتم إلاّ بالسلامة من آفات أربع يعصم منها ، فالسفير السعيد بالمواهب الأربع سليم عن الآفات الأربع ، والعاقل السليم من الآفات الأربع ليس بسعيد بالمواهب الأربع. فالمواهب الأربع أولها : الفضيلة النوعية ، وثانيها : الفضيلة الإكرامية ، وثالثها : الإمداد بالهداية ، ورابعها : التثقيف عند الزلة. والآفات الأربع التي يعصم منها السليم من الأولياء أولها : الكفر بالله ، وثانيها التقوّل على الله ، وثالثها الفسق في أوامر الله ، ورابعها الجهل بأحكام الله.
فمعنى الفضيلة النوعية : أن الأحسن في سير الملوك والأحمد من حكمهم أنهم لا يرسلون مبلغا عنهم إلاّ الأفضل المستقل بأثقال الرسالة ، قد ثقّفته خدمته وخرجته أيامه ، والعقول تشهد أن مثله يكون مقيضا مرتادا عند المرسل في الإبلاغ والتأدية عنه ، فالله الحكيم العزيز لا يختار للرسالة إلاّ المتقدم على المبعوث إليهم المزين بكل المناقب ، ولهذا لم يوجد نبيّ قط به عاهة في بدنه أو اختلاط في عقله أو دناءة في نسبه أو رداءة في خلقه ، وإليه يرجع قوله تعالى ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ).
ومعنى الفضيلة الإكرامية : أن الملوك متى أرسلوا رسولا اختاروه للوفادة أيّدوه في حال الإرسال بلطائف وكرامات وزوائد معاونات ، ييّسرون الخطب عليه