مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [يقول عبيد الله سبحانه عبد الرحمن بن كمال الدين السيوطى عفا الله عنه وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين إنه أرحم الراحمين](١) : الحمد لله الذى جعل معجزات هذه الأمّة عقليّة ؛ لفرط ذكائهم ، وكمال أفهامهم ، وفضلهم على من تقدّمهم ؛ إذ معجزاتهم حسيّة لبلادتهم ، وقلّة بصيرتهم ، نحمده سبحانه على قوله لرسوله (٢) : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ؛ وخصّه بالإعانة على التبليغ فلم يقدر أحد (٣) منهم على معارضته بعد تحدّيهم ؛ وكانوا أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء ؛ وأمهلهم طول السنين فعجزوا. وقالوا (٤) : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ؛ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ ، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ).
فأخبر تعالى أنّ الكتاب آية من آياته قائم مقام معجزات غيره من الأنبياء لفنائها بفنائهم. وكانوا أحرص الناس على إطفاء نوره ، وإخفاء أمره ؛ فلو كان فى مقدرتهم معارضته لعدلوا إليها تقوية لحججهم ؛ بل عدلوا إلى العناد تارة وإلى الاستهزاء أخرى ؛ فتارة قالوا : ساحر. وتارة قالوا : أساطير الأولين. كلّ ذلك من تحيّرهم ؛ ثم رضوا بتحكيم السّيف فى أعناقهم ، وسبى
__________________
(١) من ا.
(٢) النحل : ٤٤.
(٣) فى : واحد.
(٤) العنكبوت : ٥٠ ، ٥١.