كالإعصار ذي النار المحرق للجنة التي غرسها بطاعته وعمله الصالح.
فلو تصور العامل بمعصية الله بعد طاعته هذا المعنى حق تصوره وتأمله كما ينبغي لما سولت له نفسه والله إحراق أعماله الصالحة وإضاعتها ، ولكن لا بد أن يغيب عنه علمه عند المعصية. ولهذا استحق اسم الجهل. فكل من عصى الله فهو جاهل.
فإن قيل : الواو في قوله تعالى : (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) واو الحال أم واو العطف؟ وإذا كانت للعطف فعلام عطفت ما بعدها؟.
قلت : فيه وجهان.
أحدهما : أنها واو الحال ، اختاره الزمخشري ، والمعنى : أيود أحدكم أن تكون له جنة شأنها كذا وكذا في حال كبره وضعف ذريته.
والثاني : أن تكون للعطف على المعنى. فإن فعل التمني وهو قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) لطلب الماضي كثيرا. فكان المعنى : أيود لو كانت له جنة من نخيل وأعناب وأصابه الكبر فجرى عليها ما ذكر.
وتأمل كيف ضرب سبحانه المثل للمنفق المرائي الذي لم يصدر إنفاقه عن الإيمان : بالصفوان الذي عليه التراب ، فإنه لم ينبت شيئا أصلا ، بل ذهب بذره ضائعا لعدم إيمانه وإخلاصه. ثم ضرب المثل لمن عمل بطاعة الله مخلصا بنيته لله ، ثم عرض له ما أبطل ثوابه : بالجنة التي هي من أحسن الجنان وأطيبها وأزهرها. ثم سلط عليها الأعصار الناري فأحرقها. فإن هذا نبت له شيء وأثمر له عمله ، ثم أحرقه ، والأول لم يحصل له شيء يدركه الحريق.
فتبارك من جعل كلامه حياة للقلوب وشفاء للصدور وهدى ورحمة للمؤمنين.
ثم قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا