علوا صاعدة بصاحبها إلى العلي الكبير ، وطريق الضلال تأخذ سفلا ، هاوية بسالكها في أسفل سافلين.
وفي قوله تعالى : ١٥ : ٤١ (قالَ : هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) قول ثالث. وهو قول الكسائي : إنه على التهديد والوعيد نظير قوله : ٨٩ : ١٤ (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) كما يقال : طريقك علي ، وممرك علي ، لمن تريد إعلامه بأنه غير فائت لك ، ولا معجز. والسياق يأبى هذا ، ولا يناسبه لمن تأمله. فإنه قاله مجيبا لإبليس الذي قال : ١٥ : ٣٩ (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فإنه لا سبيل لي إلى إغوائهم ، ولا طريق لي عليهم. فقرر الله عزوجل ذلك أتم التقرير. وأخبر أن الإخلاص صراط عليه مستقيم. فلا سلطان لك على عبادي الذين هم على هذا الصراط ، لأنه صراط علي. ولا سبيل لإبليس إلى هذا الصراط ، ولا الحوم حول ساحته ، فإنه محروس محفوظ بالله. فلا يصل عدو الله إلى أهله.
فليتأمل العارف هذا الموضع حق التأمل ، ولينظر إلى هذا المعنى ويوازن بينه وبين القولين الآخرين ، أيهما أليق بالآيتين ، وأقرب إلى مقصود القرآن وأقوال السلف.
وأما تشبيه الكسائي له بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) فلا يخفى الفرق بينهما سياقا ودلالة. فتأمله ، ولا يقال في التهديد : هذا طريق مستقيم علي ، لمن لا يسلكه. وليست سبيل المهدّد مستقيمة. فهو غير مهدد بصراط الله المستقيم وسبيله التي هو عليها ليست مستقيمة على الله فلا يستقيم هذا القول البتة.
وأما من فسره بالوجوب ، أي عليّ بيان استقامته والدلالة عليه. فالمعنى صحيح. لكن في كونه هو المراد بالآية نظر. لأنه حذف في غير موضع الدلالة. ولم يؤلف الحذف المذكور ، ليكون مدلولا عليه إذا حذف. بخلاف عامل الظرف إذا وقع صفة. فإنه حذف مألوف معروف. حتى إنه لا يذكر