وقد اختلف المفسرون في الذرية في هذه الآية ، هل المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان؟ على ثلاثة أقوال. واختلافهم مبني على أن قوله : «بإيمان» حال من الذرية التابعين أو المؤمنين المتبوعين. فقالت طائفة : المعنى والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمانهم فأتوا من الإيمان بمثل ما أتوا به ألحقناهم بهم في الدرجات. قالوا : ويدل على هذا قراءة من قرأ (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) فجعل الفعل في الاتباع لهم. قالوا : وقد أطلق الله سبحانه الذرية على الكبار ، كما قال : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) وقال : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) وقال : (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ، أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ؟) وهذا قول لكبار العقلاء. قالوا : ويدل على ذلك ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه «إن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته وإن كانوا دونه في العمل ، لتقرّ بهم عينه» فهذا يدل على أنهم دخوا بأعمالهم ، ولكن لم يكن لهم أعمال يبلغوا بها درجة آبائهم. فبلّغهم إياها ، وإن تقاصر عملهم عنها. قالوا : وأيضا فالإيمان هو القول والعمل والنية. وهذا إنما يمكن من الكبار ، وعلى هذا فيكون المعنى : أن الله سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من الإيمان بمثل إيمانه ، إذ هذا حقيقة التبعية ، وإن كانوا دونه في الإيمان ، رفعهم الله إلى درجته إقرارا لعينه ، وتكميلا لنعيمه. وهذا كما أن زوجات النبي صلىاللهعليهوسلم معه في الدرجة تبعا ، وإن لم يبلغوا تلك الدرجة بأعمالهن.
وقالت طائفة أخرى : الذرية هاهنا الصغار. والمعنى : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمان الآباء. والذرية تتبع الآباء. وإن كانوا صغارا في الإيمان وأحكامه من الميراث ، والدية والصلاة عليهم ، والدفن في قبور المسلمين ، وغير ذلك ، إلّا فيما كان من أحكام البالغين.
ويكون قوله : «بإيمان» على هذا في موضع نصب على الحال من المفعولين ، أي وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء.