استعاذوا من شره. وقد أخبر تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه : أن استعاذته زادته طغيانا ورهقا. فقال حكاية عن مؤمني الجن : ٧٢ : ٦ (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) جاء في التفسير : أنه «كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قفر ، قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه. فيبيت في أمن وجوار منهم ، حتى يصبح» أي فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بسادتهم رهقا أي طغيانا وإثما وشرا. يقولون : سدنا الانس والجن. و «الرهق» في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم. فزادوهم بهذه الاستعاذة غشيانا لما كان محظورا من الكبر والتعاظم ، فظنوا أنهم سادوا الإنس والجن.
واحتج أهل السنة على المعتزلة ، في أن كلمات الله غير مخلوقة : بأن النبي صلىاللهعليهوسلم استعاذ بقوله : «أعوذ بكلمات الله التامات» وهو صلىاللهعليهوسلم لا يستعيذ بمخلوق أبدا.
ونظير ذلك : قوله : «أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك» فدل على أن رضاه وعفوه من صفاته ، وأنه غير مخلوق. وكذلك قوله : «أعوذ بعزة الله وقدرته» وقوله : «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات»
وما استعاذ به النبي صلىاللهعليهوسلم غير مخلوق ، فإنه لا يستعيذ إلا بالله ، أو بصفة من صفاته.
وجاءت الاستعاذة في هاتين السورتين باسم الرب ، والملك ، والإله.
وجاءت الربوبية فيهما مضافة إلى الفلق ، وإلى الناس. ولا بد من أن يكون ما وصف به نفسه في هاتين السورتين يناسب الاستعاذة المطلوبة. ويقتضى دفع الشر المستعاذ منه أعظم مناسبة وأبينها.
وقد قررنا في مواضع متعددة : أن الله سبحانه يدعى بأسمائه الحسنى. فيسأل لكل مطلوب باسم يناسبه ويقتضيه. وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم في هاتين السورتين «أنه ما تعوذ المتعوذون بمثلهما» فلا بد أن يكون الاسم المستعاذ به