(وثانيا) أنه يلزم على القول بكل منهما تداخل العلوم والغاء النسبة بينها التي اسسها علماء الفن فجعلوا موضوعات العلوم بعضها أعم من بعض وبعضها أخص إما مطلقا أو من وجه كما هو محرر في كتبهم اذ لو كانت عوارض النوع من أعراض الجنس حقيقة لما كان وجه لاستقلال البحث عن عوارض النوع بخصوصه بعد البحث عن عوارض الجنس لفرض ان عوارض النوع من أعراض الجنس حقيقة فتكون تجزئة البحث عن عوارض بعض أنواع الجنس عن البحث عن عوارض الجنس من قبيل تجزئة الأمر الواحد وجعله أمرين بلا ملاك يقتضي التجزئة والاثنينية بل بمحض الاقتراح.
واما توهم دفع اشكال تداخل العلوم بتقييد موضوعاتها بالحيثيات المنتزعة من محمولات كل علم بخصوصه فيقال : ان موضوع علم النحو مثلا الكلمة من حيث الاعراب والبناء وموضوع علم الصرف الكلمة من حيث الصحة والاعلال وموضوع علم الفقه هي أفعال المكلفين من حيث الاقتضاء والتخيير (فهو توهم) قاصر عن دفع الاشكال المذكور لأن الحيثية المزبورة إن اريد بها العنوان المنتزع من جميع محمولات العلم التي يبحث فيه عن ثبوتها لموضوعه فهي حيثية لا حقة ولا يعقل اخذها قيدا في موضوع العلم لأن تقييد الموضوع بالمحمولات يوجب انقلاب القضية الممكنة الى قضية ضرورية ومعه لا يبقى مجال للبحث في العلم عن ثبوت تلك المحمولات لموضوعه لأن ثبوت الشيء لنفسه ضروري مع أنه يلزم ايضا تقدم ما هو متاخر بالطبع لأن الحكم متأخر بالطبع عن موضوعه فاذا قيد به صار في رتبته فيلزم كونه متقدما بالطبع مع فرض أنه متأخر بالطبع لكونه حكما وهذا خلف وإن اريد بها الحيثية الذاتية اعني استعداد ذات الموضوع لعروض ذلك المحمول عليه وإنما يقيد الموضوع بالعنوان المنتزع عن محمولاته لاجل الاشارة الى ذلك الاستعداد فهو وان كان نظرا سديدا في نفسه إلا أنه ليس مفيدا في دفع الاشكال المذكور لأن الحيثية المزبورة ليست بحيثية خاصة بتلك المحمولات الخاصة بل هي حيثية عامة لجميع ما يصح حمله على ذلك الموضوع وإسناده اليه ومن بعض ما يصح حمله عليه هذه المحمولات الخاصة التي أفردت بالبحث عنها في علم خاص لغرض ما مثلا الكلمة طبيعة عامة مستعدة استعدادا عاما يناسبها لعروض امور