وبذلك تشبّهوا في كلامهم هذا من غير وعي بقول النصارى ، حيث قالوا : بأنّ المسيح كلمة اللّه وهي قديمة ، وهؤلاء أيضاً قالوا بأنّ القرآن كلام اللّه وهو قديم ، وقد أثبتنا في بحوثنا الكلامية أنّ القول بأنّ التكلّم من صفات الذات وانّ كلامه قديم والقرآن أمر غير حادث ، إنّما تسرّب من قبل علماء النصارى الذين كان لهم صلة وثيقة بعلماء البلاط الأموي والعباسي. (١)
ثمّ بعد الاتّفاق بأنّ التكلّم من صفات الذات اختلفت الأشاعرة والحنابلة في تفسير تلك الصفة ، فالحنابلة قالوا بأنّ كلامه وحروفه وجمَله وأصواته قديمة حالّة في الذات (٢) ، ولما كان هذا القول واضح البطلان ، حاول الإمام الأشعري ـ لما تاب عن الاعتزال والتحق بأهل الحديث ـ حاول أن يصحح عقيدة أهل الحديث بكون التكلّم من صفات الذات وانّه قديم بقدم الذات ، خالياً عن تلك الوصمة العالقة بعقيدة أهل الحديث ، وذلك من خلال تفسير كلامه بالكلام النفسي.
وكان من نتائج القول بالكلام النفسي هو تعدد الطلب والإرادة ، وسيوافيك عند دراسة أدلة الأشاعرة انّ القول بالكلام النفسي يلازم تعدد الطلب والإرادة.
إنّ الكلام النفسي الذي طرحه الإمام الأشعري في تفسير كلامه سبحانه قد اكتنفه غموض كثير ، حتى أنّ المحقّق الطوسي وصفه بأنّه غير معقول ، وقال : والنفساني غير معقول. (٣)
وقد نقل الشريف المرتضى عن شيخه المفيد أنّه كان يقول : ثلاثة أشياء لا
__________________
١ ـ انظر كتاب بحوث في الملل والنحل : ٣ / ٣٧٩ ، لشيخنا الأُستاذ ( مد ظله ).
٢ ـ شرح المواقف : ٨ / ٩٢.
٣ ـ كشف المراد : قسم الإلهيات : ٣٢.