ما ذكره هؤلاء الأعلام أوضح شيء وقفت عليه في الكتب الكلامية للأشاعرة. ومع ذلك كلّه فما ذكروه لا يسمن ولا يغني من جوع ، لأنّ التكلّم عندهم من صفات الذات وصفة التكلّم عندهم غير صفة الإرادة والعلم ، وما ذكروه من المعاني المنتظمة في النفس التي لاتختلف مع اختلاف اللغات ترجع إلى أحد الأمرين : إمّا معاني إخبارية فترجع إلى التصور والتصديق ، أو إنشائية فترجع إلى الإرادة والكراهة ونظائرهما من الترجي والتمني والاستفهام ، فعندئذ يكون الكلام النفسي من فروع العلم في الإخبار ، وفروع الإرادة والكراهة في الإنشائيات.
وبذلك أصبح الكلام النفسي بين الأُحجيّة واللغز وما يرجع إلى العلم والإرادة.
إلى هنا تمّ الكلام في النقطة الثانية.
استدلّت الأشاعرة على وجود الكلام النفسي بوجوه نذكر منها أربعة :
الأوّل : استدلّ السيد الشريف على الكلام النفسي وتبعه الفضل بن روزبهان في شرحه على كتاب « نهج الحقّ » للعلاّمة الحلي بأنّ الرجل قد يأمر بما لا يريده ، كأمره للاختبار فليس فيه الإرادة ولكن يطلق عليه الأمر ، وهذا دليل على وجود شيء في النفس المصحح لإطلاق الأمر عليه ، وليس هو إلاّ الطلب وهو الكلام النفسي. (١)
فهذا الدليل متضمّن لإثبات الكلام النفسي كما يتضمن تعدد الإرادة والطلب.
والجواب : أنّ الأوامر الاختبارية على قسمين :
__________________
١ ـ شرح المواقف : ٨ / ٩٤.