وأمّا الثالث : فلأنّ الإتيان معلول لإرادة الآمر ، فلا يكون المعلول علّة لارتفاع علّته فلا يكون علّة لسقوط الإرادة. (١)
يلاحظ عليه : بأنّ المعلول أمر آخر وراء هذه الأُمور الثلاثة ، ولعلّ لفظ الإجزاء كناية عنه وهو حكم العقل بالإجزاء ، والمراد من العلّية كون الإتيان موضوعاً لحكم العقل ، كما أنّ العدل موضوع لحكم العقل بالحسن ، والظلم موضوع لحكمه بالقبح ، فتصبح المسألة عقلية بحتة في مورد ، وعقلية وشرعية في مورد آخر ، كما أفاده المحقّق الخراساني قدسسره.
ثمّ إنّ ما أفاده من أنّ إتيان المأمور به ، من معاليل إرادة المولى فكيف يكون المعلول طارداً لعلّته؟ قد مرّ الكلام فيه ، وهو أنّ الإرادة مطلقاً ـ تكوينية كانت أو تشريعية ـ إنّما تتعلق بالفعل الاختياري وليس فعل الغير في اختيار المريد ، ولذلك قلنا إنّ الإرادة التشريعية متعلّقة بالبعث والطلب وهو فعل اختياري للمريد ، وهو بالنسبة إلى العبد مبيّن لموضوع الطاعة ، وأمّا الانبعاث فهو من آثار الخوف من تبعات المخالفة كما لا يخفى.
ربّما يتصوّر أنّ للإجزاء حقيقة متشرعيّة ، فقد نقل من معناه اللغوي ـ أي الكفاية ـ إلى سقوط الإعادة في الوقت ، والقضاء في خارجه.
والظاهر خلافه وأنّه ليس له إلاّ معنى واحداً ، وأمّا السقوط فهو من لوازم المورد ، فإجزاء المأتي به يلازم عدم التعبّد به في وقته أو خارجه ثانياً ، كما في إجزاء المأتي به بالأمر الاضطراري ، فهو يلازم سقوط التعبّد بالأمر الاختياري ، أو إجزاء
__________________
١ ـ تهذيب الأُصول : ١ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.