ثانياً : أنّ بين الأمر بالعمل بالأمارة ـ حتّى على القول بالطريقية ـ والاكتفاء بمدلول الأمارة في مقام الامتثال ملازمة واضحة ، وتعد هذه الملازمة من المداليل العرفية التي هي حجّة عندهم وتكون حجّة على العبد ، ونوضح الملازمة بالمثالين التاليين :
أ. إذا أمر المولى عبده بأن يهيئ له دواء ليتداوى به ، وأمره بأن يسأل صيدلياً بالخصوص عن نوعية اجزائه وكميته وكيفية تركيبه ، فاتّبع العبد إرشادات الصيدليّ الذي جعل قوله حجّة في هذا الباب ، ثمّ ظهر أنّ الصيدلي كان قد أخطأ في مورد أو موردين ، فانّ العرف يعدّون العبد ممتثلاً لأمر مولاه ، ويرون عمله مسقطاً للتكليف ، من دون إيجابه بالقيام مجدّداً بتهيئة الدواء ، اللّهمّ إلاّ أن يأمره المولى مجدداً.
ب : إذا أمر عبده ببناء بيت ، وأمره أن يرجع في كلّ ما يتعلّق بالبناء إلى مهندس متخصص ومعمار ماهر ، واتبع العبد أوامره فبنى البيت ، لكن تبيّن خطأ المهندس أو المعمار ، فانّ العبد معذور ، والعمل مجز ، اللّهمّ إلاّ أن يأمره بالإعادة.
والإنسان المتشرع إذا خوطب بهذه الارتكازات ، بوجوب العمل بقول الثقة ينتقل منه إلى أنّ الشارع قد اكتفى في تحصيل مقاصده بما تؤدي إليه الأمارة تسهيلاً للأمر على العباد ، فانّ الشارع واقف على أنّ إلزام المكلّف بتحصيل العلم يوجب العسر والحرج ورغبة الناس عن الدين. هذا من جانب ، ومن جانب آخر وقف على أنّ العمل بالأمارة يؤدّي إلى تحصيل مصلحة المولى بنسبة عالية أي تسعين بالمائة ، ولذلك أمر بالعمل بها مكتفياً في تحصيل مقاصده ومصالحه بهذا المقدار لما أنّ في الأمر بتحصيل العلم عسراً وحرجاً.
وهذا البيان يقتضي كون العمل بالأمارة موجباً للاجزاء عند كشف الخلاف