ثمّ إنّه ظهرت بعد ابن الحاجب آراء في معنى الحروف وهي بين الإفراط والتفريط ، وإليك دراسة هذه الآراء :
إنّ الشيخ الرضي اختار في تفسير التعريف المذكور بأنّ الضمير في كلّ من نفسه وغيره يرجع إلى الموصول الذي أُريدت منه الكلمة ، وانتهى إلى أنّ معنى الاسم ( الابتداء ) مضمون نفسه ، ولكن معنى الحرف ( من ) مضمون لفظ آخر ، يضاف ذلك المعنى ( مضمون من ) إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي ، وإليك نصّه.
قال الرضي : انّ معنى « من » الابتداء ، فمعنى « من » ومعنى لفظة « الابتداء » سواء ، إلاّ أنّ الفرق بينهما انّ لفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر ، بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة ، ومعنى « من » مضمون لفظ آخر يضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي ، فلهذا جاز الاخبار عن لفظ الابتداء في قولك « الابتداء خير من الانتهاء » ولم يجز الاخبار عن لفظ « من » لأنّ الابتداء الذي هو مدلولها ، في لفظ آخر ، فكيف يخبر عن لفظ ليس معناه فيه ، بل في لفظ غيره ، وإنّما يخبر عن الشيء باعتبار المعنى الذي في نفسه مطابقة ، فالحرف وحده لا معنى له أصلاً ، إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليدل على أنّ في ذلك الشيء فائدة ما ، فإذا أفرد من ذلك الشيء بقي غير دال على معنى في شيء أصلاً ، فظهر بهذا انّ المعنى الافرادي للاسم والفعل في أنفسهما وللحرف في غيره. (١)
يلاحظ عليه : أوّلاً : وجود التناقض بين الصدر والذيل ، فانّ صدر كلامه يوحي إلى أنّ لفظة « من » موضوعة لنفس ما وصفت له كلمة الابتداء ، حيث
__________________
١ ـ شرح الرضي لمقدمة ابن الحاجب ( الكافية ) : ٤.