إنّ حقيقة الاستعمال تقوم على أركان ثلاثة :
الأوّل : إطلاق اللفظ.
الثاني : انتقال المخاطب عند سماع اللفظ إلى الصورة الذهنية.
الثالث : انتقاله منها إلى الوجود الخارجي.
مثلاً إذا قلنا : « قام زيد » يتحقّق هناك الركن الأوّل وهو إطلاق اللفظ ثمّ يعقبه انتقال المخاطب إلى الصورة الذهنية من قيام زيد ، وبما انّ القضيّة ليست ذهنية ينتقل المخاطب من الصورة الذهنية إلى الوجود الخارجي ، ولذلك قلنا بأنّ الاستعمال ثُلاثي الأركان.
وأمّا المقام ، أعني : إطلاق اللفظ وإرادة شخصه ، فليس هناك إلاّ ركنان :
أ : إطلاق اللفظ.
ب : انتقال المخاطب إلى الصورة الذهنية ثمّ انتقاله إلى نفس اللفظ الصادر ( الركن الأوّل ) مكان الانتقال إلى الركن الثالث ، أعني : الوجود الخارجي المغاير للّفظ.
وبعبارة أُخرى : انّ الاستعمال أمر ثلاثي ، وهو الانتقال من اللفظ إلى الصورة الذهنية له ، ومنها إلى الخارج ، ولكن الأمر هنا ثنائي ينتقل من اللفظ إلى الصورة الذهنية ومنها إلى اللفظ.
وبعبارة ثالثة : انّ هنا وجوداً خارجياً للّفظ وهو أمر تكويني قائم بالمتكلّم ، وصورة ذهنية له حاصلة في ذهن المخاطب ثمّ انتقال إلى اللفظ الصادر من المتكلّم من دون أن ينتقل إلى شيء ثالث ، فالمنتقل إليه وإن كان لفظاً خارجياً لكنّه ليس شيئاً ثالثاً.