ونهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده : إمّا أن يراد به بيع عين معينة ، فيكون قد باع مال الغير قبل أن يشتريه. وفيه نظر. وإمّا أن يراد به بيع ما لا يقدر على تسليمه ، وإن كان في الذمّة. وهذا أشبه. فيكون قد ضمن له شيئاً لا يدري هل يحصل أو لا يحصل؟ وهذا في السلم الحال إذا لم يكن عنده ما يوفيه ، والمناسبة فيه ظاهرة.
فأمّا السلم المؤجل ، فإنّه دين من الديون ، وهو كالابتياع بثمن مؤجّل ، فأي فرق بين كون أحد العوضين مؤجّلاً في الذمّة ، وكون العوض الآخر مؤجّلاً في الذمّة ، وقد قال تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) قال ابن عباس : أشهد أنّ السلف المضمون في الذمّة حلال في كتاب الله ، وقرأ هذه الآية.
فإجابة هذا على وفق القياس لا على خلافه». (١)
ومنهم ابن القيم حيث قال في «إعلام الموقعين» : «وأمّا السلم ، فمن ظن أنّه على خلاف القياس فوهم دخوله تحت قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تبع ما ليس عندك» فإنّه بيع معدوم ، والقياس يمنع منه.
والصواب أنّه على وفق القياس ، فإنّه بيع مضمون في الذمّة موصوف مقدور على تسليمه غالباً ، وهو كالمعاوضة على المنافع في الإجارة ، وقد تقدّم أنّه على وفق القياس.
وقد فطر الله العقلاء على الفرق بين بيع الإنسان ما لا يملكه ولا هو مقدور له وبين السلم إليه في مغل مضمون في ذمّته ، مقدور في العادة على تسليمه. فالجمع بينهما كالجمع بين الميتة والمذكى والربا والبيع». (٢)
__________________
(١). الموسوعة الفقهية : ٢٥ / ١٩٥ ، نقلاً عن : مجموعة فتاوى ابن تيمية : ٢٠ / ٥٢٩.
(٢). الموسوعة الفقهية : ٢٥ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، نقلاً عن : إعلام الموقعين عن رب العالمين (مراجعة طه عبد الرءوف سعد) : ٢ / ١٩.